Labari Ba Tare da Farko ba ko Karshe

Najib Mahfuz d. 1427 AH
96

Labari Ba Tare da Farko ba ko Karshe

حكاية بلا بداية ولا نهاية

Nau'ikan

عاد إلى مجلسهما وهو يلهث. وقبل أن تفتح فاها تدافعت أقدام مهرولة تند بين وقعها ضحكات شابة متوثبة. اندفعت إلى الداخل فتاة يطاردها شاب. لمحا وجود الكهل والفتاة ولكنهما لم يلقيا إلى ذلك بالا. مضت تحاوره وهو يتحين غفلة للانقضاض عليها. وفجأة وثبت الفتاة فوق الأريكة الوحيدة التي يستقر عليها الكهل وصاحبته وتخطت الرجل فاختفى لحظة بين ساقيها ثم قفزت إلى الباب، ومنه إلى الحديقة والشاب في أثرها. سوى الكهل هندامه وتمتم كأنما يناجي نفسه: ما أجمل أن يذهبا إلى عنبر لولو!

ثم قال لفتاته بضيق: نحن نضيع وقتا ثمينا لا يعوض!

فقالت تذكره: ولكن ثمة اعتراف جديد! - لا قيمة الآن لأي اعتراف! - أود أن أعترف لك بأن حكاية الشاب الغني من طنطا مختلقة من جذورها ولا أساس لها في الواقع! - حقا؟ - بالصدق أعترف لك. - ذاك يعقد الأمور ولا يبسطها! - وعلي أن أذهب الآن. - كلا، لن تذهبي. - لا شيء يدعونا للبقاء. - بل علينا أن نفهم الأسباب التي دعتك إلى اختراع الحكاية. - لا أهمية لذلك ألبتة. - كلام غير علمي، فالحلم له أسبابه كالواقع سواء بسواء. - أكرر، لا أهمية لذلك.

فهز رأسه مفكرا وقال باهتمام: دعيني أفكر.

ومسح على جبينه واستطرد: شاب .. تاجر .. غني .. من طنطا .. شقة خاصة في الهرم. - كدت أنسى تلك التفاصيل. - لا يمكن أن تنسي. - أنت ظريف ولكنك عنيد. - أصغي إلي، شاب، تخيلته شابا، الشباب رمز الجنون بحب الحياة، وأنت تهيمين بحب الحياة لحد الجنون. - لكني تغيرت. - كذب، لم يمر وقت يسمح بالتغيير. - يخيل إلي أني عاشرتك في هذا الكشك عمرا. - أصغي إلي يا عزيزتي، .. تاجر .. ما معنى تاجر؟ إنه نقيض الموظف، الموظف رمز الروتين، التاجر رمز الحركة، الموظف ظل الأخلاق التقليدية، التاجر ظل الانطلاق واللاأخلاقية.

فتساءلت ضاحكة: أتراني حلمت بقرصان؟ - وأكثر يا عزيزتي، إنك تدعيننا للإيمان بإبليس كما آمن إبليس بنفسه، إنك تنبذين آدم مخلوق الخطيئة والاستغفار، وتعشقين إبليس مخلوق الإبداع والكبرياء، إنك تعيدين للنار كرامتها حيال التراب. - سامحك الله .. أنت خفيف الروح. - وما معنى غني؟ الغني هو الذي يملك المال والقوة، ولكننا لم نعد في عصر الأغنياء، أي غني اليوم إنما هو كاللص الذي لم يهتد إلى أثره بعد، ستطبق عليه يد العدالة في المساء أو عند منتصف الليل، فالحلم يريد شابا غنيا، لفترة محددة، إنه يخشى المعاشرة الطويلة، يخشى أن يتكشف مع الزمن عن شخص حقير شرس مثل زوج أمك، فأنت ترغبين فيه وتكرهين في الوقت نفسه فكرة دوامه، سوء ظن مكتسب من ماض تعيس. - أتقرأ الفنجان أيضا؟ - من طنطا! .. ماذا يقول الحلم؟ طنطا هي مثوى السيد البدوي، صاحب الكرامات والمعجزات، الذي كان يجيء بالأسرى من الأعداء .. فهمت يا عزيزتي؟! - فهمت يا سيدنا الشيخ. - وشقة الهرم؟ .. الشقة مفهومة ولكن لماذا في الهرم؟ .. الهرم في ظاهره قبر ولكنه في حقيقته يشكل تحديا للزمن .. للموت. - تفسير مسل وجميل، ولكن يجب أن تفكر في الذهاب. - ابصقي هذه النية من فيك وهلمي إلى عنبر لولو. - بل إلى البيت. - ماذا في البيت مما يغريك بالعودة إليه؟ - هو بيتي على أي حال. - سيتغير طعمه ومذاقه عقب زيارة لعنبر لولو.

رمقته بنظرة ارتياب وسألته: ما علاقة كهل وقور مثلك بعنبر لولو؟ - فيه خلوة للعجزة، كل شيء في عنبر لولو. - ترى .. ترى أأنت جدير بالسمعة الطيبة التي تتمتع بها؟ - أنسيت رأيك في الوقت القديم ووصايا الأموات؟ - لكني تعلمت أشياء جميلة من معاشرتك الطويلة هنا! - لا تسخري من رجل قضى زهرة عمره وراء القضبان. - اغفر لي فإني لم أجاوز الأربعة والعشرين ربيعا من عمري! - ولكنه في حالتك يعتبر مرحلة من مراحل الشيخوخة!

وقامت متجهمة فقام في أثرها بحال توحي بالاعتذار، وقال: لا معنى للغضب بعد أن تعارفنا على خير وجه!

فقالت بنبرة ساخرة: شيدت قصرا ولكن على الرمال! - حقا؟ - الشاب الغني من طنطا حقيقة من صميم الواقع! - بل خيال في خيال! - حقيقة من صميم الواقع.

فقبض على ساعدها بعنف وهو يطلق على عينيها نظرة من نار. وتوثب ليقذفها بسيل من الكلمات التي انصهر بها شدقاه ولكن شخصا غريبا اقتحم الكشك على غير توقع. اقتحمه وكأنما ألقي به إليه. مشعث الشعر، أغبر الوجه، يتصبب عرقا. رفع بنطلونه وحبكه حول وسطه. ضرب الأرض بقدميه بشدة ليزيل عن حذاءه ما يطوقه من طين. بادلهما النظر صامتا دون أن ينبس. مضى إلى طرف الأريكة وارتمى عليها في إعياء. جعل صدره يرتفع وينخفض ورائحة عرقه تنتشر. حل بالكشك صمت كالشلل. لكن الفتاة كانت أول من خرج منه. خلصت يدها من قبضة الكهل وقالت: أستودعك الله، إني ذاهبة.

Shafi da ba'a sani ba