وذكر تعذيب الله لأهل القرى في مواضع كثيرة من القرآن لما لم يزل عليه أهل القرى من كثرة الفساد فيهم والمنكر والعصيان.
ولم يكن أهل القرى يابني أكثر شرا ولا فسادا، ولا أشد الخلق
مخالفة عن الهدى ولا عنادا، منهم في زماننا ودهرنا هذا، مع ما في القرى يابني من فساد اللسان وظهور العجمة واللكنة عن البيان.
[ما في أهل البادية من الصفات الحميدة ]
وأهل البادية فلو لم يكن فيهم مع ما يرغب به عاقل لبيب في أن يأوي إليهم إلا لثباتهم في الكلام، وفصاحة ألسنتهم، وما هم عليه أكثر أهل البادية من الإقتصار على أقل الكفاف في معيشتهم، والزهد في الدنيا الظاهر في لباسهم وآنيتهم، والجود والسخاء بقليل ذات أيديهم، وبذلهم وكرمهم إذا نزل بهم حق ينوبهم، أو آوى إليهم ضيف يأويهم، فالمقل منهم حينئذ في الجود بما في يده كالمكثر، والفقير في الإجتهاد بما يمكن في أداء الحق الذي نزل به وإكرام الضيف الذي حل بفنائه كالمؤسر، يؤثره عند ذلك على نفسه وعياله، ويبذل ويجود بما لا يجود به القروي من ماله، هذا مع إقبال أهل البادية على شغلهم، ومعائش أنفسهم وعيالهم، وافتراقهم في منازلهم ومحالهم .
فكل إنسان منهم يمكنه([30]) أن يكون وحده، وأن يحجز حرمته عن الفساد وولده.
Shafi 81