وإذ قد أصبحنا يابني وأصبحتم، وخلقنا في عصرنا هذا وخلقتم في هذا الوقت والحين والزمان، الذي لم يكن في الدنيا عصر ولا زمن أوحش ولا أبلى ولا أهول منه منذ خلق الله البشر والإنسان، بل لم يكن مثله منذ برأ الله البرية الآدمية ولا الجان، وكل دهر أو زمان أو عصر أهله ومن خلق فيه أعظم بلية من دهرنا، وما قد غلب وعم على أهل ملتنا من الجهل والضلال في الدين، إذ قد صارت الخاصة والعامة في أرض الله وبلاده مفسدين، ولما أمر الله به رسوله في كتابه وعلى لسان نبيه جاحدين، فأكثر الناس ضال تائه عن الله ورسوله وهو يحسب أنه مهتدي، ناقض دينه الذي أمره الله به ورسوله وهو فرح ويعتدي، قد رضي من دينه بالتمني على الله مع تقصيره لنجاة المخلصين الذين كانوا بتقواهم وطاعتهم برحمة الله ورضوانه مخصوصين، فرجوا وأملوا إذ زعموا وجهلوا وضلوا أن يكونوا من أهل الطاعة لله ولم يتقوه كما اتقوا، ولم يعملوا من الصالحات كما عملوا، وغرهم الشيطان فأضلهم وأغواهم، إذ لبس عليهم علماء السوء الراكنون إلى غرور دنياهم، فأغفلوا ونسوا ما قال ربهم ومولاهم لمن هو خلافهم، ومن كان بعيدا من مثل خطاياهم، ومن لم يركب ما ارتكب أهل هذا الزمان من كبائر الفواحش والعصيان، إذ تمنوا في أيام الرسول ورجوا طرفا من الرجاء والأماني، فقال سبحانه لهم على لسان نبيه منبها ومحذرا أن يتمنى متمن عليه مع المقام على الذنوب وترك التوبة أن يكون لهم غافرا، فقال سبحانه في ذلك للمؤمنين وهو ينهاهم أن يكونوا بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في التمني على الله للمغفرة وعفوا السيئات متشبهين، فنهاهم وحذرهم أن يكونوا لمثل ما يتمنون متمنين {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} [النساء: 124]، فلم يوجب الرحمة لأحد من خلقه بالأماني، ولم يوجبها إلا لمن عمل الصالحات وآمن من كبائر العصيان.
كذلك قال أيضا سبحانه في موضع آخر من محكم كتابه وهو يذكر ما لهم من الرحمة والغفران لمن كان ذا تقوى وإيمان {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} [الأعراف: 156] فأخبر سبحانه أن رحمته التي وسعت كل شيء لا يكتبها إلا للمتقين.
Shafi 69