Rayuwar Gabas
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Nau'ikan
وم. هانوتو وزير الأمور الخارجية سابقا صار بعد إشهار مدلس أوجب احتجاج الغرفة الزراعية بتونس مالكا لأرض كريمة متسعة قامت بإحيائها الدولة على نفقتها وتحصل لفائدة «المعامل الكبرى الصفاقسية» التي هو جاعل لها أراضي بناء ببيكر فيل ناحية صفاقس بثمن قدره خمسة صانتيمات للمتر الواحد، بينما كان سعره الحقيقي في سنة 1911م 15 فرنكا.
وم. بيدي بيدو عضو السينات ومقرر الميزانية التونسية أيضا تحصل للمحافظة على السر اللازم في تقاريره بصفة خاصة على هنشيرين من أجمل الهناشير، وهو مع ذلك رئيس مجلس إدارة «شركة الصلح» بسليمان.
وم. شاللي بيرت نائب من مجلس الأمة ومقرر الميزانية التونسية يستيقظ صباحا بعد ما سلم تقريره فإذا هو مالك بشركة «الوسيط» فانسان لمناجم حديد الدوارية، فيكون لها شركة استثمار ويقبض مبلغا طفيفا في مقابل تقريره هو أربعة ملايين فرنك ذهبا ... إلخ إلخ.
وهكذا كان من نتيجة معاهدة باردو منذ خمسين سنة المساعدة على امتلاك الطمع الفرنسي لأكثر ما يمكن من الأرض والمناجم المخزونة في أحشاء البلاد. وتاريخ البلاد منذ 1881 ليس إلا امتلاك الأرض لفائدة رأس المال الفرنسي بواسطة قوة الدولة: امتلاك بنك ميرابو لمناجم الفوسفات بقفصة وشركة مقطع الحديد للثروة المكنوزة من الحديد في جبال جريسة، وامتلاك نواب البرلمان الفرنسي لأحسن الأراضي وامتلاك المستعمرين للأراضي المشتراة من الميزان الذي جل إيراده من الأهالي.
فالاحتفال الخمسيني الاستعماري قد أتى في وقته لتذكير الجماهير العاملة التونسية أن أصل الاحتلال لبلادهم هو القوة، وأنهم يعاملونه بالقوة الغاشمة وأن ليس إلا تلك القوة التي يجب أن تنظم وأن تعم ليخلصوا من نير الاستعباد.
الظهير البربري
لا يزال صدى الظهير البربري يرن في آذاننا، فقد ضجت منه الشعوب العربية بعد أن ضجت شعوب شمال أفريقيا. فقد استصدرت فرنسا من الشاب محمد سلطان مراكش بالاسم ظهيرا أو مرسوما يقضي بتنصير أمة البربر ومضى عليه الآن أكثر من عام ونصف، وأسست بين القبائل الإسلامية كنائس كاثوليكية وحشدت لها القساوسة، وكانت أخرجت القضاء الشرعي من ميزانية الدولة وأخضعته للسلطتين العسكرية والمدنية. وبينما كانت فرنسا تعمل عملها في مراكش على هذه الصفة المخالفة للحضارة، شعر المشير الفرنسي ليوتي بحرج موقف بلاده ولا سيما في بلاد حديثة العهد بالعبودية.
وقد قام فيها رجل كالأمير المجاهد عبد الكريم الذي أحيا ذكرى الأمير عبد القادر الجزائري، ولا يخفى أن ليوتي رجل حرب وضرب وحامل سيف ورمح ونذير قتل وجرح، ولكنه مذ طالت إقامته بين أهل المغرب لانت عريكته وتشذبت شوكته، وقد مال إلى صناعة القلم فأخذ يحتذي مثال كبار الساسة ليبدي رأيه في حكم البلاد التي اغتصبتها فرنسا فنشر في مجلة «مسير فرنسا» مقالا جاء فيه:
من شروط استمرارنا على الإقامة في المغرب الأقصى وحصولنا على نتيجة من وراء ذلك تعزيز صلاتنا بالوطنيين، بمشاطرتنا إياهم مزاولة الزراعة والصناعة والشئون التجارية، ولا سيما مشاطرتنا إياهم الشئون العقلية ومبادلتنا إياهم العواطف الودية. وعندي أن هذا أفضل وسيلة لضمان التعاون بين فرنسا والمسلمين في المغرب الأقصى، وهذا أشد تأثيرا من حراب جنودنا ومواقعنا العسكرية. أجل، إن لتلك الحراب والمواقع تأثيرا لا ينكر وأنا خبير به، ولولا الجهود التي بذلتها جنودنا ولا تزال تبذلها لما كنا باقين في تلك الديار، فالفضل للجنود الفرنسويين في إيجاد النظام والأمن في هاتيك الربوع ولم يكونا فيها، وفي إقامة سور حولها يجعل السلام مرفوع اللواء في جميع أنحائها. وحينما تتم مهمة جنودنا لوقاية البلاد من غوائل المعتدين الذين يعيثون فيها فسادا، وحينما تستتب فيها السكينة استتبابا تاما عاما فلا يبقى علينا إلا مشاطرة سكان ذلك القطر ضروب الثقافة ومشاركتنا لهم في العواطف الولائية.
وكلما عاشرت الوطنيين وأطلت مقامي بين أظهرهم زاد اعتقادي بعظمة تلك الأمة وعلو همتها. على أننا لم نجد في غير المغرب الأقصى من أقاليم شمالي أفريقيا إلا نتائج الفوضى التي كانت ضاربة أطنابها في جميع جهاتها، ووهن عزائم الحكومات. أما في المغرب الأقصى فقد وجدنا سلطنة منظمة عززتها الأسرة المالكة ولم تؤثر فيها الثورات المتوالية، ووجدنا إلى جانب تلك الهيئة الحاكمة مدنية عريقة سامية.
Shafi da ba'a sani ba