154

Rayuwar Gabas

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Nau'ikan

أصل الاحتلال في تونس

صادف عام 1931 الذي وضعنا فيه هذا الكتاب مرور خمسين عاما على احتلال فرنسا بلاد تونس لا لخير أهلها ولا احتجاجا على ضربة مروحة على وجه سفيرها (كما حدث في الجزائر) ولا لأنها على طريق الهند (كما هي عادة إنجلترا في تبرير احتلال مصر)، ولكن لأن تونس بلاد غنية في زراعتها ومشهورة بزيتها وزيتونها وتمرها وبلحها وحبوبها وبساتينها وفاكهتها وغنية بمناجمها وفوسفاتها، وقد صنع بعض الفرنسيين بتونس ما تصنع عصبة من الخطافين بضيعة خالية من الملاك أو قرية ليس لها صاحب ولا سكان. وإليك ملخص وجيز لتاريخ الاحتلال الفرنسي بتونس:

ارتأى الوزير خير الدين لما تنكر له الباي وغضب عليه أن يبيع أطيانه الواسعة، التي تمتد من زغوان إلى بوفيشة والنفيضة التي كان وهبها إياه محمد الصادق باي، لشركة بنك مرسيليا. ولكن الشريعة الإسلامية تعطي حق الشفعة للجار، ولما كانت إنجلترا لا ترضى أن ترى شركة فرنسية تملك أرضا بتونس أقامت أحد اليهود من حمايتها وهو يوسف ليفي يملك قطعة مجاورة لأرض خير الدين يطالب بحق الشفعة، وحيث كان الشرع غير قابل للتأويل فلم يبق لشركة بنك مرسيليا إلا أن تترك البقعة. ولكن براعة رجال المعاملات لا تقف عند هذا الحد، فقد استعملوا الحيل الشرعية التي تمنع الجار من حق الشفعة، أي ذكروا كمشة مجهولة في عقد البيع واحتفظ الوزير خير الدين لنفسه بمتر واحد حول الأرض بحيث إن أرض الإسرائيلي المحتمي بإنجلترا لم تكن مماسة للأرض المبيعة، فأول ما ابتدأ الأمر برفع الدعوى أمام المحاكم الاعتيادية لمعرفة قيمة هذه الخزعبلات، أرادت الشركة أن تضع يدها على الأرض لتحوزها بصفة الملكية فأرسلت البعض من أعوانها يستقرون بنفس الأرض، وفي الحين نفسه ترسل إنجلترا محميها ينصب خيمته أمام أعوان الشركة.

وقد صارت الحالة خطرة لأنه أخذ يظهر شيئا فشيئا أن المحاكم الإسلامية ستصدر حكمها لفائدة محمي إنجلترا، وكان من الممكن أن يحدث في كل وقت بين الفريقين المستقرين بالنفيضة خلاف خطير، فوجب حينئذ القيام بعمل حاسم.

وقد كان الوزراء في سنة 1881 كما هو اليوم، حسب عبارة الرئيس ميلران «أعوان المالية»، وكانت الجيوش الفرنسية والأسطول الفرنسي والميزان الفرنسي كما هي اليوم لا غاية لها إلا العمل لفائدة مصلحة الماليين الخاصة. وكما جعل بوانكاريه منذ سبع سنوات الجيش الفرنسي تحت تصرف «لجنة الحديد» لاحتلال الروهر وكما وضعت كتلة الشمال ذلك الجيش نفسه تحت تصرف «بنك باريس والبلاد المنخفضة» لكسر الأمة الريفية والاستحواذ على خيرات أرضها الكبيرة؛ كذلك وضع جول فيري في ذلك الزمن الجيش المذكور تحت تصرف الشركة المرسيلية.

فاكتشفوا فجأة أنه يوجد في جبال خمير بعض اللصوص وأنه يحدث أحيانا منهم وهم غير محترمين للاتفاقات الدبلوماسية أن يسرقوا خارج الحد التونسي الجزائري كما يسرقون من داخله وفي الأمر داع كاف؛ فدخلت الجيوش الفرنسية من الحد الجزائري ومن بنزرت فلزم الباي الخضوع تحت تهديد السيف، واختلت البلاد بسرعة فائقة، واستمر سراق خمير على سرقتهم داخل الحدود وخارجها، ولكن استقر ملك المائة ألف هكتار وزيادة لشركة مرسيليا، ذلك هو الغرض وذلك هو أصل «الحقوق التي للجمهورية الفرنسية بتونس». •••

وما كادت تدخل الجيوش الفرنسية بتونس ولما يقع بعد إمضاء معاهدة باردو 1881 حتى استدعى جول فيري للمأدبة التي أدبها أعضاء الصحافة الكبرى ورجال المال لتأييد عمل القوة الذي قام به فتكون بعنايته، جمع على رأسه أدريان هيبرار مدير جريدة الطان وبول بوليو مدير جريدة «ليكونوميست فرانسيه» للدعاية لمسألة تونس، وفي مقابل خدماته الجليلة طلب هيبرار الذي ألزم البلاد التونسية بقبول أحد معاونيه بول بورد بصفة مدير عام للزراعة، وبواسطة هذا المدير وشركته معه طلب مائة ألف هكتار في جهة السواسي وجلاص، ولكنه لم يحصل إلا على عشرة آلاف هكتار فقط!

أما بول لوروا بوليو فقد نشر في إحدى الجرائد الدعاية لمناجم الفوسفات بقفصة وحصل زيادة على عدد ذي قيمة من السهام أرضا من أحسن الأراضي في أخصب جهة من التل بالمملكة.

وبعد ذلك بقليل تحصلت جريدة «الدبيش تونزيان» في شخص مدير هام لوكور كارباني على بعض آلاف من الهكتارات، ثم أخذت تستحوذ شيئا فشيئا بمقدار ما يقوي من نفوذها على مناجم الفوسفات بقلعة جريدة أغنى مناجم الفوسفات بعد مناجم قفصة، وتخلق لنفسها إمارة حقيقية بالوطن القبلي وتمتد يدها العادية إلى أحسن الأراضي المجاورة للمياه المعدنية بقربص وتضع يدها عليها لاستثمارها، وتضطر الدولة لبناء طريق لها بما بلغت مصاريفه 10200000 فرنك ذهبي، وتحقق لنفسها مع ذلك قسطا عظيما من كازينو تونس، وتحتكر الإعلان التجاري من دون ذكر لكثير من الامتيازات ليست أقل فضيحة من السابقة بما جعل مديرها المستثمر العام للمملكة التونسية. أما م. بوشي العضو بمجلس السينات ووزير التجارة سابقا ومقرر الميزانية التونسية، فقد استحوذ على 3000 هكتار في أحسن جهة من التل وأخصبها. وم. مورجو العضو أيضا بمجلس السينات ووزير الفلاحة سابقا ومقرر الميزانية التونسية، فقد استحوذ على 6000 هكتار من أراضي السيالين قرب صفاقس و5000 هكتار في جهة وادي اللبن و3000 هكتار من وقف سيدي مهذب، وهو يملك أيضا مصيدة تن بصفاقس ومناجم للحديد وسهاما وافرة من مناجم فوسفات قلعة جردة.

وم. كوتنري النائب بمجلس الأمة ووزير المالية سابقا ومقرر الميزانية التونسية حصل على بعض آلاف من الهكتارات في أحسن جهات المملكة.

Shafi da ba'a sani ba