ولطائف رائعة، أستنبطها أنا ومن قبلي من أفاضل المتأخرين، وأماثل المحققين، ويغرب عن وجوه القراءات المعزية إلى الأئمة الثمانية المشهورين، والشواذ المروية عن القراء المعتبرين. إلا أن قصور بضاعتي يثبطني عن الإقدام، ويمنعني عن الانتصاب في هذا المقام، حتى سنح لي بعد الاستخارة ما صمم به عزمي على الشروع فيما أردته، والإتيان بما قصدته، ناويا أن أسميه بعد أن أتممه بأنوار التنزيل وأسرار التأويل فها أنا الآن أشرع بحسن توفيقه أقول. وهو الموفق لكل خير ومعطي كل مسؤول.
قوله: (أستنبطها) أي استخرجت تلك النكت واللطائف بالكد والاجتهاد والاستنباط. في الأصل استخراج النبط وهو أول ما يظهر من ماء البئر إذا حفرت يقال: أنبط الحفار إذا بلغ الماء فاستعمل في استخراج المعاني اللطيفة بالكد. قوله: (ويعرب) أي يفصح ويكشف.
والمعزية المنسوبة من عزاه إذا نسبه، والأئمة الثمانية المشهورون هم السبعة المذكورون في التيسير والشاطبية وهم: نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمر والبصري وابن عامر الشامي وعاصم وحمزة والكسائي الكوفيون وثامنهم أبو محمد يعقوب بن إسحق الحضرمي البصري فإنه كان إماما كبيرا ثقة صالحا عالما انتهت إليه رياسة القراءة بعد أبي عمرو وكان إمام البصرة سنين وله روايتان روح ورويش. قوله: (يثبطني) أي يشغلني يقال: ثبطه عن الأمر تثبيطا أي شغله عنه. قوله: (ما صمم به عزمي) أي ما خلصني عن التردد فصار عزمي ماضيا لا فتور فيه الجوهري: صميم الشيء خالصه وصمم السيف إذا مضى في العظم وقطعه وصمم فلان على أمره أي مضى على رأيه فيه. قوله: (وبحسن توفيقه أقول) أقول ههنا منزل منزلة اللازم فليس له مقول. قوله: (ومعطي كل مسؤول) فإنه تعالى لا يخيب أمله ولا يرد سائله محروما بل يعطيه إما عين مطلوبه إو ما يعادل مطلوبه في توقف صلاح حاله بذلك أو يدفع عنه من المضار والآفات ما يعادل مطلوبه في الانتفاع به. وقد قيل: هذا في تأويل قوله تعالى: ادعوني أستجب لكم [غافر: 60] والله أعلم.
Shafi 22