ولطال ما أحدث نفسي أن أصنف في هذا الفن كتابا يحتوي على صفوة ما بلغني من عظماء الصحابة وعلماء التابعين، ومن دونهم من السلف الصالحين، وينطوي على نكت بارعة، التوفيق؟ أجيب بأن الحكم الأول بالنظر إلى السلف من الأصحاب المقتبسين أنوار حقائق التنزيل من مشكاة النبوة والحكم الثاني بالنظر إلى الخلف المستنبطين ما يتعلق بالحكم والأحكام فإنهم إذا أرادوا استخراج النكت واللطائف من علم التفسير وجب عليهم الالتجاء بالعلوم الدينية والفنون الأدبية. قوله: (ولطال ما أحدث نفسي) اللام موطئة للقسم و «ما» مصدرية ولذلك كتبت مفصولة عن الفعل في عامة النسخ. وقيل: هي كافة تكف الفعل عن طلب الفاعل ويرده أنها لو كانت كافة لكتبت موصولة كما في إنما. قوله: (في هذا الفن) أي في فن التفسير، والصفوة بالحركات الثلاث للصاد بمعنى الخالص. والصحابة في الأصل مصدر كالصحبة يقال: صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة بالفتح وهو ههنا جمع صحابي بمعنى الإصحاب والصحابي عند جمهور أهل الحديث مسلم رأي النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يرو عنه حديثا ولم يكن له طول المصاحبة معه، وشرط بعضهم طول الصحبة، وبعضهم شرط مع طول الصحبة أن يروي عنه حديثا. وأراد بعظمائهم عليا وابن عباس وابن مسعود وعمر وابن العاص وابن الزبير وابن عمر وابن العاص وأبي بن كعب وزيدا بن ثابت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وصدرهم علي حتى قال ابن عباس: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي.
إلا أنه تجرد لهذا الشأن وتتبعه حق التتبع حتى قالوا: إن المحفوظ عنه أكثر من المحفوظ عن علي. وكان علي يحرض الأمة على الأخذ عنه، وكان عبد الله بن مسعود يقول: نعم الترجمان عبد الله بن عباس وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين وعلمه بالتأويل» وحسبك بهذه الدعوة. وقال علي: ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق. ويتلوه ابن مسعود وغيره. والتابعون جمع تابع وهو من صحب الصحابي وأراد بعلمائهم الحسن البصري فإنه أدرك من الصحابة مائة وثلاثين، ومجاهدا فإنه قرأ على ابن عباس قراءة تحقيق وإتقان، وسعيد بن جبير فإنه قرأ على ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم قراءة مقبولة. وبمن دونهم عبد الرزاق وأبا علي الفارسي وعليا بن أبي طلحة وأمثالهم، ومن المبرزين فيهم محمد بن جرير الطبري فإنه جمع على الناس أشتات التفاسير، وأبو إسحق الزجاج حتى قال مولانا شمس الدين الأصفهاني في مقدمات تفسيره الجامع بين التفسير الكبير والكشاف: تتبعت الكشاف فوجدت أن كل ما أخذه أخذه من الزجاج.
قوله: (وينطوي) مطاوع لطوى ويلزمه الاشتمال على النكت. والنكت جمع نكتة وهي اللطيفة المستخرجة بقوة الفكر من نكت في الأرض إذا أثر فيها بقضيب ونحوه، فالنكتة اسم للأثر الحاصل في الأرض بالنكت. قوله: (بارعة) أي فائقة ورائعة أي معجبة رفيعة القدر.
Shafi 21