الشارح: «فكراهة» أي فالخطاب المدلول عليه بالمخصوص يسمى كراهة. ولا يخرج عن المخصوص دليل المكروه إجماعا أو قياسا، لأنه في الحقيقة مستند الإجماع، أو دليل المقيس عليه. وذلك من المخصوص «أو بغير مخصوص» بالشيء، وهو النهي عن ترك المندوبات، المستفاد من أوامرها، فإن الأمر بالشيء يفيده النهي عن تركه.
«فخلاف الأولى» أي فالخطاب المدلول عليه بغير المخصوص يسمى خلاف الأولى، كما يسمى متعلقه بذلك فعلا كان، كفطر مسافر لا يتضرر بالصوم - كما سيأتي -، أو تركا كترك صلاة الضحى.
المحشي: قوله «إجماعا أو قياسا» تمييز لدليل المكروه، العائد إليه الضمير في «لأنه».
قوله: «يسمى خلاف الأولى» إلى آخره تسمية متعلقه بذلك ظاهرة، وأما تسميته هو به، فبمعنى أنه مثبت لمتعلقه المسمى به أيضا. كما أن تسمية الخطاب الذي قبله بالكراهة، بمعنى أنه مثبت لها، فلا يشكل تسميته بذلك. قوله: «فعلا كان» إلى آخره لا يقال: فيه تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره، لأن مقتضى النهي -وهو ترك الشيء - متعلقه، وقد قسمه إلى فعل وترك، لأنا: نقول لا نسلم أن مقتضاه متعلقه، بل هو ترك الشيء. ومتعلقه الشيء، وهو إما فعل أو ترك، فمتعلقه في الثاني ترك، ومقتضاه ترك هذا الترك، ففي مثاله له ترك صلاة الضحى متعلقه. وترك هذا الترك مقتضاه، وإن لم يحصل إلا بصلاة الضحى.
الشارح: والفرق بين قسمي المخصوص وغيره، أن الطلب في المطلوب بالمخصوص، أشد منه في المطلوب بغير المخصوص، فالاختلاف في شيء أمكروه هو أم خلاف الأولى؟ اختلاف في وجود المخصوص فيه، كصوم يوم عرفة للحاج، خلاف الأولى، وقيل مكروه لحديث أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم: «نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة» وأجيب بضعفه عند أهل الحديث. وقسم خلاف الأولى زاده المصنف على الأصوليين، أخذا من متأخري الفقهاء، حيث قابلوا المكروه بخلاف الأولى في مسائل عديدة، وفرقوا بينهما، ومنهم إمام الحرمين في النهاية: بالنهي المقصود وغير المقصود، وهو المستفاد من الأمر. وعدل المصنف إلى المخصوص وغير المخصوص،
المحشي: قوله: «والفرق بين قسمي المخصوص وغيره» لم يقل بين المخصوص وغيره، مع أنه أخصر، لأن الفرق ليس بينهما، بل بين قسميهما، وهما الطلب بالمخصوص، والطلب بغيره.
قوله: «كصوم يوم عرفة للحاج خلاف الأولى» رجح على القول بالكراهة لأن النهي فيه غير مخصوص. لأنه إنما استفيد من دليل سن إفطاره، وهو فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه أفطر فيه كما ثبت في الصحيحين.
الشارح: أي العام، نظرا إلى جميع الأوامر الندبية. وأما المتقدمون فيطلقون المكروه على ذي النهي المخصوص، وغير المخصوص، وقد يقولون في الأول مكروه كراهة شديدة، كما يقال في قسم المندوب سنة مؤكدة. وعلى هذا الذي هو مبنى الأصوليين يقال: أو غير جازم فكراهة.
المحشي: قوله «أي العام» إلى آخره، يعني عدل المصنف إلى المخصوص، نظرا إلى أن النهي فيه مخصوص بمتعلقه، وإلى غير المخصوص، أي العام نظرا إلى دليل يعم الأوامر الندبية، وهو أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، كما ذكره الشارح قبل، فالنهي فيه لم يستفد من نهي مخصوص بمتعلقه، بل من عموم الأوامر الندبية، بواسطة هذا الدليل العام، والحاصل أن النهي النفسي المتعلق بخلاف الأولى، إنما يستفاد من الأوامر الندبية بواسطة دليل يعمها.
وأما الإمام فعبر بالمقصود، وغير المقصود، لأن النهي في الكراهة مقصود أي مصرح به، وفي خلاف الأولى غير مقصود، والشارح قصد بما ذكره من نكتة العدول إلى ما ذكر، الرد على من قال في عدوله إلى ذلك نظر، لأن المقصود يحترز به عن الأمر بالشيء، فإنه نهي عن ضده فهو منهي عنه، إلا أنه غير مقصود، والمخصوص يحترز به عما استفيد من صيغة عموم، من غير تنصيص على المنهي عنه بخصوصه، أي فيقتضي أن يكون ما استفيد من ذلك خلاف الأولى، وليس كذلك، بل هو كراهة. وصنع الإمام أظهر في المراد، وإن كان صنع المصنف أدق.
صاحب المتن: أو التخيير، فإباحة.
Shafi 23