قوله: «ورجع إليه المصنف آخرا» أي في كتاب «الأشباه والنظائر»، فقال: «والقول الفصل أن الإكراه لا ينافي التكليف». قوله: «ومن توجيههما يعلم أنه لا خلاف بين الفريقين وأن التحقيق مع الأول» ظاهر في نفي الخلاف، وأما «إن التحقيق مع الأول» فكأنه نظر فيه إلى رفع الحرج عن المكره، لكن هذا إنما يناسب وقوع التكليف بذلك، لا جوازه به فالتحقيق مع الثاني لا مع الأول، فيجوز التكليف بذلك، لكنه لم يقع لخبر «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
وما نقله الزركشي عن مقتضى كلام الغزالي والقرطبي أن محل الخلاف إذا وافق داعية الإكراه داعية الشرع، كأن أكره على قتل حية أو كافر، أما إذا خالفها، كأن أكره على قتل مسلم، أو شرب خمر، فلا خلاف في جواز التكليف به، وفيه نظر.
التكليف بالمعدوم
صاحب المتن: ويتعلق الأمر بالمعدوم، تعلقا معنويا، خلافا للمعتزلة،
الشارح: «ويتعلق الأمر بالمعدوم تعلق معنويا» بمعنى أنه إذا وجد بشروط التكليف يكون مأمورا بذلك الأمر النفسي الأزلي، لا تعلقا تنجيزيا، بأن يكون حالة عدمه مأمورا، «خلافا للمعتزلة» في نفيهم التعلق المعنوي أيضا، لنفيهم الكلام النفسي والنهي وغيره، كالأمر، وسيأتي تنوع الكلام في الأزل على الأصح إلى الأمر وغيره.
المحشي: قوله: «بمعنى أنه إذا وجد» إلى آخره، يعني أن المعدوم الذي علم الله أنه سيوجد بشروط التكليف طلب منه في الأزل، ما يفهمه ويفعله إذا وجد بتلك الشروط، فإذا وجد بها تعلق به التعلق التنجيزي بذلك الطلب الأزلي، من غير تجديد طلب آخر.
بقوله «وسيأتي تنوع الكلام في الأزل» إلى آخره، على أن تسمية الكلام بالأمر في قولهم: «يتعلق الأمر بالمعدوم» إنما يأتي على الأصح.
المحشي: من أن الكلام يتنوع في الأزل إلى أمر ونهي، لا على مقابله، وإن كنا نحكم على المعدوم، إذ لا يلزم من الحكم عليه تسمية الكلام أمرا ونهيا. قوله: «في نفيهم التعلق المعنوي أيضا» أي كما نفوا التعلق التنجيزي.
الأحكام التكليفية
صاحب المتن: فإن اقتضى الخطاب الفعل اقتضاء جازما، فإيجاب، أو غير جازم، فندب، أو الترك جازما، فتحريم، أو غير جازم بنهي مخصوص.
الشارح: «فإن اقتضى الخطاب» أي طلب كلام الله النفسي «الفعل» من المكلف لشيء «اقتضاء جازما» بأن لم يجوز تركه «فإيجاب» أي فهذا الخطاب يسمى إيجابا. «أو» اقتضاء «غير جازم» بأن جوز تركه، «فندب أو» اقتضى «الترك» لشيء اقتضاء «جازما» بأن لم يجوز فعله «فتحريم أو» اقتضاء.
المحشي: قوله: «لشيء» صلة «الفعل»، وقول المصنف «فإيجاب» أنسب من قول من قال: «فوجوب»، ومن قول من قال «فواجب»، لأن الإيجاب هو الحكم، والوجوب أثره، والواجب متعلقه.
وقوله: «فتحريم» أنسب من قول من قال: «فحرمة»، ومن قول من قال: «فحرام» لما عرف، وإن كان التعبير بكل منها صحيحا، إذ الحكم الذي هو خطاب الله إذا نسب إلى الحاكم سمي إيجابا، أو تحريما، أو إلى ما فيه الحكم، وهو الفعل، سمي وجوبا، أو واجبا، أو حرمة، أو حراما، فالإيجاب والوجوب مثلا، متحدان بالذات، مختلفان بالاعتبار.
الشارح: «غير جازم بنهي مخصوص» بالشيء كالنهي في حديث الصحيحين: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»، وفي حديث ابن ماجه وغيره: «في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين»؟
المحشي: ويأتي مثل ذلك في الندب والكراهة والإباحة، فيمن عبر بها، ومن عبر بالمندوب والمكره والمباح.
قوله: «كالنهي في حديث الصحيحين» إلى آخره مثل بحديثين تنبيها على أنه لا فرق في النهي بين اقترانه بعلة حكمه وعدم اقترانه بها.
صاحب المتن: فكراهة، أو بغير مخصوص، فخلاف أولى.
Shafi 22