[حاشية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري]
خطبة المؤلف
قال سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ مشايخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، صدر مصر ومكة والشام، حسن الليالي والأيام، أبو يحيي زكريا الأنصاري، الشافعي، أمتع الله بوجوده الأنام وحشره في زمرة خير الأنام:
الحمد لله الذي أعلى معالم دين الإسلام، وبين لنا قوانين الشرع والأحكام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه البررة الكرام، وبعد: فهذه حاشية وضعتها على شرح جمع الجوامع في أصول الفقه والدين، لشيخنا الإمام المحقق، والحبر المدقق، أبي عبد الله محمد جلال الدين بن أحمد المحلي رحمه الله، تفتح منه مقفله، وتبين مجمله، وتبرز ما أهمله، مع بيان ما يرد عليه، والجواب عنه إن أمكن، وقد أتعرض فيها لكلام المصنف -رحمه الله- لإيضاح أو غيره، والله أسأل أن ينفع بها، فإنه قريب مجيب.
تعريف الحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب المتن: نحمدك اللهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الشارح: الحمد الله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله.
هذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهمين لجمع الجوامع، من شرح يحل ألفاظه، ويبين مراده، ويحقق مسائله، ويحرر دلائله، على وجه سهل للمبتدئين، حسن للناظرين، نفع الله به آمين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: «بسم الله الرحمن الرحيم: نحمدك اللهم»: أي نصفك بجميع صفاتك يا الله، إذ الحمد كما قال الزمخشري في الفائق: الوصف بالجميل، وكل من صفاته تعالى جميل، ورعاية جميعها أبلغ في التعظيم المراد بما ذكر، إذ المراد به إيجاد الحمد لا الإخبار بأنه سيوجد.
المحشي: قوله: «أي نصفك بجميع صفاتك» أي إجمالا، إذ الثناء التفصيلي
الشارح: وأتى بنون العظمة لإظهار ملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله له بتأهيله للعلم، امتثالا لقوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) الضحى: 11.
وقال ما تقدم دون نحمد الله الأخصر منه، للتلذذ بخطاب الله وندائه. وعدل عن الحمد لله - الصيغة الشائعة للحمد- إذ القصد بها الثناء على الله تعالى،
المحشي: لا يطيقه البشر (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) إبراهيم: 34.
وقيد الجميع أخذه من مدلول اللفظ مع معونة المقام، لا من مدلوله وحده كما يدل لذلك على اكتفائه في الاستدلال له بكلام الزمخشري، بل ضم إليه قوله: «وكل من صفاته تعالى جميل»، وقوله: «ورعاية جميعها أبلغ في التعظيم المراد بما ذكر» أي من نحمدك اللهم.
قوله: «سيوجد» صدر الفعل -هنا وفيما يأتي- بالسين، إشارة إلى أن الإخبار بالمذكورات بالنظر للمستقبل لا للحال، إذ لا يأتي فيه إنشاء بخلافه في الحال.
قوله: «وأتى بنون العظمة لإظهار ملزومها» إلى آخره: أي العظمة من لوازم التعظيم المذكور، وهو نعمة يطلب إظهارها لقوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) الضحى: 11، فمناسب الإتيان بنون العظمة لينتقل الذهن منها إلى ملزومها، فقوله: «من تعظيم الله له» بيان ل «ملزومها» المعلل إظهاره بقوله: «امتثالا»، ويجوز أن يقال: أتى بالنون للمتكلم ومن معه، رعاية للأبلغية، وتنبيها على استصغاره نفسه، واعترافه بعجزها عن قيامه بحق الحمد، وما عطف عليه، كما أشار إلى ذلك خبر: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
قوله: «الأخصر منه» أفعل التفضيل المعرف ب «أل» كالمضاف، لا يستعمل ب «من» فيؤول ذلك بأن «أل» زائدة أو جنسية لا معرفة، أو بأن «من» متعلقة بأخصر مقدرا مدلولا عليه بالمذكور، كما قيل بمثله في قول الشاعر:
Shafi 3
ولست بالأكثر منهم حصى
قوله: «للتلذذ بخطاب الله وندائه»: الخطاب بالكاف والنداء باللهم لأن أصله ياألله حذفت ياؤه وعوض عنها الميم وشددت لتكون على حرفين كالمعوض عنه، وقد يقال فيه: لاهم بحذف «ال».
قوله: «إذ القصد بها» إلى آخره: التعليل لما تضمنه قوله: «الصيغة الشائعة للحمد» من أن صيغة الحمد لله تفيد إنشاء الحمد.
الشارح: لأنه مالك لجميع الحمد من الخلق لا الإعلام بذلك الذي هو من حملة الأصل في القصد بالخبر من الإعلام بمضمونه، إلى ما قاله لأنه ثناء بجميع الصفات برعاية الأبلغية كما تقدم، وهذا بواحدة منها، وإن لم تراع الأبلغية هناك بأن يراد الثناء ببعض الصفات، فذلك البعض أعم من هذه الواحدة لصدقه بها وبغيرها الكثير، فالثناء به أبلغ من الثناء بها في الجملة أيضا، نعم الثناء بها من حيث تفصيلها أوقع في النفس من الثناء به.
المحشي: قوله: «لا الإعلام بذلك الذي هو من جملة الأصل في القصد بالخبر من الإعلام بمضمونه» القصد بالخبر إما إعلام المخاطب بمضمون الخبر وهو الأصل، أو إعلامه بأن المخبر عالم بذلك المضمون، والأول يسمى فائدة الخبر، والثاني لازمها فقوله: «بذلك» أي بأنه مالك لجميع الحمد من الخلق.
وقوله: «الذي هو» إلى آخره: صفة «للإعلام»، وقوله: «من الإعلام» بيان «للأصل».
وقوله: «لأنه الثناء» إلخ، تعليل للعدول عن تلك الصيغة إلى ما قاله.
وقوله: «برعاية الأبلغية» قد يقال: برعايتها أيضا في الحمد لله فتشتمل جميع الصفات.
قلت: ينافيه الثناء فيها بصفة واحدة وهي الملكية، وقوله: «هناك» أي في نحمدك اللهم.
وقوله: «بأن يراد الثناء ببعض الصفات» قد يقال أو يطلق، إذ انتفاء رعاية الجميع منه التقييد بالبعض، فلو حذف هذا كان أولى وأخصر.
قوله: «فالثناء به» أي بذلك البعض «أبلغ من الثناء بها» أي بتلك الواحدة.
قوله: «أيضا» هو مصدر آض إذا رجع، وهو مفعول مطلق حذف عامله، كارجع إلى الإخبار بكذا رجوعا، أو حال حذف عاملها وصاحبها، كاخبر بكذا راجعا إلى الإخبار به.
وإنما تستعمل مع شيئين بينهما توافق ويغني كل منهما عن الآخر، فلا يجوز: جاء زيد أيضا، وجاء زيد ومضى عمرو أيضا ولا اختصم زيد وعمرو أيضا.
صاحب المتن: على نعم، يؤذن الحمد بازديادها.
الشارح: «على نعم»: جمع نعمة بمعنى إنعام، والتنكير للتكثير والتعظيم، أي إنعامات كثيرة عظيمة منها الإلهام لتأليف هذا الكتاب والإقدار عليه، وعلى صلة نحمد، وإنما حمد على النعم في مقابلتها لا مطلقا، لأن الأول واجب، والثاني مندوب.
ووصف النعم بما هو شأنها بقوله: «يؤذن الحمد» عليها «بازديادها» أي يعلم بزيادتها، لأنه متوقف على الإلهام له، والإقدار عليه، وهما من جملة النعم، فيقتضيان الحمد، وهو مؤذن بالزيادة المقتضية للحمد أيضا وهلم جرا.
المحشي: قوله: «على نعم» أي لأجلها، ولا ينافيه قول الشارح «و«على» صلة نحمد».
قوله: «بمعنى إنعام» أي لأن الحمد في الحقيقة إنما هو على الإنعام الذي هو من أفعاله تعالى، لا على المنعم به، ولأن الحمد على المنعم به إنما هو باعتبار صدوره عنه.
قوله: «وإنما حمد على النعم» أي على إنعامات الله تعالى، ليوافق ما قدمه آنفا.
قوله: «في مقابلتها» أي سواء وقعت عليه أم على غيره.
Shafi 4
قوله: «لأن الأول» أي الحمد في مقابلة النعمة لفظا أو نية واجب، أي بمعنى أنه يقع واجبا، لا بمعنى أنه إذا أنعم الله تعالى على عبد بنعمة، يجب عليه أن يحمده عليها بالحمد الذي ذكره، وهو الحمد اللفظي، أو بالحمد المنوي. قوله: «بقوله» بدل مما قبله أو «الباء» فيه بمعنى «في».
قوله: «وهلم جرا» الأحسن فيه ما قاله العلامة الجمال بن هشام.
الشارح: فلا غاية للنعم حتى يوقف بالحمد عليها (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) إبراهيم: 34 وازداد وزاد، اللازم مطاوعا زاد المتعدي تقول: زاد الله النعم علي، فازدادت وزادت.
المحشي: بعد إطلاعه على كلام غيره فيه، وتوقفه في أنه عربي: إن معنى هلم: تعال، لا بمعنى المجيء الحسي، ولا بمعنى الطلب حقيقة، بل بمعنى الاستمرار على الشيء، وبمعنى الخبر، وعبر عنه بالطلب كما في قوله تعالى: (ولنحمل خطاياكم) العنكبوت: 12، (فليمدد له الرحمن مدا) مريم: 75.
«وجرا»: مصدر جره إذا سحبه، ببقائه مصدرا، أو جعله مؤكدة، وليس المراد الجر الحسي، بل التعميم كما في السحب في قولهم: هذا الحكم منسحب على كذا، أي شامل له، فكأنه قيل هنا: واستمر إيذان كل حمد، بزيادة النعم استمرارا أو مستمرا، كما يقال: كان عام كذا وهلم جرا، أي واستمر ذلك في بقية الأعوام.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
صاحب المتن: ونصلي على نبيك محمد.
الشارح: «ونصلي على نبيك محمد» من الصلاة عليه المأمور بها، وهي الدعاء بالصلاة أي الرحمة عليه، أخذا من حديث: «أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد» إلى آخره، رواه الشيخان إلا صدره فمسلم.
والنبي: إنسان أوحي إليه بشرع ، وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بذلك فرسول أيضا، أو وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب، أو نسخ لبعض شرع من قبله كيوشع، فإن كان له ذلك فرسول أيضا قولان، فالنبي أعم من .......
المحشي: قوله: «ونصلي» حقه أن يقول بعده: ونسلم خروجا من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر.
قوله: «أخذا من حديث «أمرنا الله أن نصلي عليك»» استدل به على أن صلاتنا عليه مأمور بها، وعلى أن معناها دعاؤنا له بها، لا بقيد الرحمة. قوله: «وفي الثالث» إلى آخره قضيته أن من أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه ليس بنبي ولا رسول.
الشارح: الرسول عليهما، وفي الثالث أنهما بمعنى، وهو معنى الرسول على المشهور. وقال: «نبيك» دون رسولك لأن النبي أكثر استعمالا ولفظه بالهمز من النبأ أي الخبر، لأن النبي مخبر عن الله، وبلا همز وهو الأكثر قيل: إنه مخفف المهموز بقلب همزته ياء، وقيل: إنه الأصل من النبوة، بفتح النون وسكون الباء، أي الرفعة، لأن النبي مرفوع الرتبة عن الخلق.
ومحمد علم منقول من اسم مفعول المضعف، سمي به نبينا بإلهام من الله تعالى تفاؤلا بأنه يكثر حمد الخلق له، لكثرة خصاله الجميلة. كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب، وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها: لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ قال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض.
وقد حقق الله رجاءه كما سبق في علمه تعالى.
المحشي: قوله: «لأن النبي مخبر عن الله» يحتمل أن يكون فعيلا بمعنى فاعل كما هو الظاهر، وأن يكون فعيلا بمعنى مفعول، لأنه مخبر بالإيحاء إليه بواسطة وبدونها، وهو أنسب بالقول المشهور من الأقوال الثلاثة التي ذكرها، لوجود مأخذ التسمية في كل نبي، ولو غير رسول، لأن من لم يؤمر بتبليغ، لا يلزم كونه مخبرا لغيره.
صاحب المتن: هادي الأمة لرشادها.
Shafi 5
الشارح: «هادي الأمة» أي دالها بلطف «لرشادها» يعني لدين الإسلام، الذي هو لتمكنه في الوصول به إلى الرشاد، وهو ضد الغي، كأنه نفسه، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) الشورى: 52 أي دين الإسلام.
المحشي: قوله: «وقيل: إنه الأصل» عرفه ليفيد أنه أصل للمهموز، ولو نكره لتوهم أن كلا منهما أصل.
قوله: «من اسم مفعول المضعف» أي مضعف العين، بأن نقل المجرد إلى باب التفعيل، لا المضعف الذي لم تسلم حروفه الأصول من التضعيف، كمس، وظل.
قوله: «بلطف» قيد في معنى الهداية، فقد فسرها الراغب بالدلالة بلطف قال: وأما قوله تعالى: (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) الصافات: 23 فهو على التهكم.
قوله: «وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) الشورى: 52» أي من حيث إن كلا منهما مجاز، سواء أجعل مجازا مرسلا
التعريف بالآل
صاحب المتن: وعلى آله، وصحبه ما قامت الطروس والسطور،
الشارح: «وعلى آله» هم كما قال الشافعي: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب ابني عبد مناف لأنه صلى الله عليه وسلم: «قسم سهم ذوي القربى وهو خمس الخمس بينهم، تاركا منه غيرهم من بني عميهم نوفل وعبد شمس مع سؤالهم له» رواه البخاري. وقال: «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» رواه مسلم. وقال: «لا أحل لكم أهل البيت من الصدقات شيئا، ولا غسالة الأيدي، إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم» أي بل يغنيكم.
المحشي: أم استعارة، لأن الاستعارة مجاز علاقته المشابهة.
قوله: «لأنه صلى الله عليه وسلم» إلى آخر الأحاديث، دل أولها: على أن خمس الخمس
الشارح: رواه الطبراني في معجمه الكبير، والصحيح جواز إضافته إلى الضمير كما استعمله المصنف. «وصحبه» هو اسم جمع لصاحبه، بمعنى الصحابي، وهو كما سيأتي: من أجتمع مؤمنا بسيدنا محمد، وعطف الصحب على الآل - الشامل لبعضهم- لتشمل الصلاة باقيهم.
«ما» مصدرية ظرفية.
«قامت الطروس» أي الصحف جمع طرس بكسر الطاء.
«والسطور» من عطف الجزء على الكل، صرح به لدلالته على اللفظ الدال على المعنى.
المحشي: لأقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب، وثانيها: على أن الصدقات لا تحل لآله، وثالثها: على أن من لا تحل له الصدقات من قسم بينهم خمس الخمس، فدل مجموعها على أن آله هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب.
وقوله «نوفل وعبد شمس» هما وهاشم والمطلب أولاد عبد مناف بن قصي.
قوله: «والسطور من عطف الجزء على الكل» صحيح إذ الطرس الصحيفة وهي الكتاب. قاله الجوهري.
صاحب المتن: لعيون الألفاظ ......
الشارح: «لعيون الألفاظ» أي للمعاني التي يدل عليها باللفظ.
«ويهتدى بها» كما يهتدي بالعيون الباصرة.
«وهي» العلم المبعوث به النبي الكريم.
Shafi 6
المحشي: وغيره. فما قيل: «إنه غلط فاحش لأن الطرس الورق، ذوالسطر حال فيه، والحال ليس جزء المحل «غلط فاحش، نعم يحتمل أن يراد بالطروس الورق بلا سطور مجازا، من باب إطلاق الكل على جزئه، فلا يكون ذلك من عطف الجزء على الكل، وفي قول المصنف «ما قامت الطروس والسطور» جناس القلب، لاختلاف اللفظين في ترتيب الحروف، نظير: «اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا».
قوله: «لعيون الألفاظ» متعلق ب «الطروس والسطور»، بمعنى ما قامت طروس وسطور عيون الألفاظ، ويحتمل تعلقه ب «قامت» وفيه على التقديرين
صاحب المتن: مقام بياضها وسوادها ......
الشارح: «مقام بياضها» أي الطروس. «وسوادها» أي سطور الطروس.
المعنى: نصلي مدة قيام كتب العلم المذكور، قيام بياضها وسوادها اللازمين لها،
المحشي: استعارة، إما تحقيقية: بأن استعار لمعاني الألفاظ لفظ العيون، لكونها أدل وأجل ما في الحيوان، ويكون إضافة العيون للألفاظ قرينة الاستعارة، ثم رشح الاستعارة-بالبياض والسواد- لملاءمتها المستعار منه.
أو بالكناية: بأن شبه الألفاظ بذوي عيون باصرة من حيث إنها ذوات أجزاء، بعضها أشرف من بعض، ويكون إثبات العيون لها استعارة تخييلية، والترشيح بحاله. وذكر الطروس والسطور تجريد لملاءمتها المستعار له.
قوله: «ويهتدى بها» أي بالمعاني قوله: «وهي» أي المعاني.
قوله: «أي الطروس» أي سطور الطروس، ليس تفسيرا لبياضها وسوادها، وإلا لكان المعنى نصلي مدة قيام الطروس والسطور مقام الطروس
الشارح: وقيامها بقيام أهل العلم لأخذهم إياه منها كما عهد، وقيامهم إلى الساعة لحديث الصحيحين: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله» أي الساعة، كما صرح به في بعض الطرق. قال البخاري: «وهم أهل العلم». أي لابتداء الحديث في بعض الطرق بقوله: «من يرد الله به خيرا يفقه في الدين».
وأبد الصلاة بقيام كتب العلم المذكور، لأن كتابه هذا - المبدوء بما هي منه- من كتب ما يفهم به ذلك العلم.
المحشي: والسطور ولا معنى له، بل ذلك تفسير لضميريهما كما هو ظاهر كلامه، ولا ينافيه عود الضميرين إلى الكتب في قوله «المعنى نصلي» إلخ لأن الكتب عبارة عن الطروس والسطور، لا يقال في تفسيره الضميرين بذلك رجوع إلى التوقيت بمدة قيام الشيء بقيام عرضه وذلك دور، لأن العرض متوقف على محل يقوم به، ومحله هنا صار متوقفا عليه، لأنا نقول جهة التوقف مختلفة، لأن توقف العرض على المحل إنما هو من جهة.
أنه لا يقوم بنفسه، بل بمحله، وتوقف محله هنا عليه، إنما هو من جهة التوقيت المذكور.
وقوله: «المعنى نصلي» الخ، بيان للمقصود، مع قطع النظر من جهة التشبيه الحاصل بواسطة العيون، وبياضها وسوادها، وهذا كله جري على كلامه، وإيضاح له، وإلا فالأولى أن يراد بعيون الألفاظ نفسها أو خيارها، إذ عين الشيء يقال لنفسه ولخياره، قاله الجوهري وغيره وبضميري - بياضها وسوادها- العيون بمعنى حواس البصر، على طريق الاستخدام، والمعنى: نصلي مدة قيام كتب العلم، قيام بياض العيون وسوادها، اللازمين لها، لمشابهتها الكتب حفظا ولازما، لأن الكتب تحفظ الألفاظ المفيدة للعلم، كما أن العيون تحفظ مرئياتها، وبياض الكتب وسوادها لازمان لها، كما أن بياض العيون وسوادها لازمان لها، وقيام كتب العلم بقيام أهله، لأخذهم إياه منها بنظرهم فيها بحواس البصر، وقيامهم إلى الساعة. قوله: «المبدوء بما هي» أي بشيء الصلاة منه.
التعريف بجمع الجوامع
صاحب المتن: ونضرع إليك عن إكمال جمع الجوامع.
الشارح: «ونضرع» بسكون الضاد بضبط المصنف، أي نخضع ونذل «إليك» يا ألله.
Shafi 7
«في منع الموانع» أي نسألك غاية السؤال من الخضوع والذلة أن تمنع الموانع، أي الأشياء التي تمنع، أي تعوق «عن إكمال» هذا الكتاب «جمع الجوامع » تحريرا، بقرينة السياق الذي إكماله لكثرة الانتفاع به -فيما أمله- خيور كثيرة، وعلى كل خير مانع. وأشار بتسميته بذلك إلى جمعه كل مصنف جامع فيما هو فيه، فضلا عن كل مختصر، يعني مقاصد ذلك من المسائل والخلاف فيها، دون الدلائل وأسماء أصحاب الأقوال إلا يسيرا منهما فذكره لنكت ذكرها في آخر الكتاب.
المحشي: قوله: «بضبط المصنف» أسنده إليه تقوية للرد على من زعم أنه بتشديد الضاد وفتحها، وأن أصله: نتضرع بتاء.
قوله: «أي نسألك» إلى آخره تفسير ل «نضرع» بالمعنى العرفي لا اللغوي، بقرينة تفسيره له ب «نخضع ونذل»، لكنه قد يشكل بجعل «من الخضوع والذلة» بيانا لغاية السؤال إن جعلت «من» بيانية، فإن جعلت بمعنى «باء» المصاحبة فلا إشكال. قوله: «بقرينة السياق» هي ما يؤخذ من لاحق الكلام، الدال على خصوص المقصود أو سابقه، وكل منهما هنا، إذ كل من «نضرع» و«الآتي من فن الأصول» إلى آخره.
ظاهر في أنه إنما سأل المنع عن إكماله تحريرا، لا تأليفا مجردا. قوله: «الذي إكماله» إلى آخره، صفة ل «جمع الجوامع» و«إكماله» مبتدأ خبره «خيور» وأخبر بها مع أنها جمع عن المفرد، لأنه هنا مصدر، وهو يطلق على الكثير والقليل، ولأنه مفرد مضاف إلى معرفة فيعم، وما بينهما تعليل لإكماله. وقوله: «فيما أمله» متعلق ب «كثرة الانتفاع».
قوله: «وعلى كل خير مانع» بين به سر التعبير بالموانع دون المانع، لأنه إذا كان هناك خيور، وعلى كل خير مانع، فهناك موانع سأل الله منعها. قوله: «فيما هو فيه» متعلق ب «مصنف» وإن وصف أي مصنف في فن جمع الجوامع فيه، والذي جمع الجوامع فيه فن أصول الفقه، وفن أصول الدين. قوله: «فضلا عن كل مختصر» أي إذا كان قد جمع كل مصنف جامع، فجمعه لكل مختصر أولى. «وفضلا» مصدر منصوب، إما بفعل محذوف هو حال من مصنف أو صفة له، وإما على الحال. هذا وفي استعماله في الإثبات -كما هنا- نظر، لقول ابن هشام: «إنه لا يستعمل إلا في النفي نحو : فلان لا يملك درهما، فضلا عن دينار، أي لا يملك درهما ولا دينارا، وأن عدم ملكه للدينار، أولى من عدم ملكه للدرهم».
صاحب المتن: الآتي من فن الأصول بالقواعد القواطع.
الشارح: «الآتي من فن الأصول» بإفراد فن، في نسخة بتثنيته وهي أوضح أي فن أصول الفقه، وفن أصول الدين المختتم بما يناسبه من التصوف.
والفن: النوع، وفن كذا من إضافة المسمى إلى الاسم، كشهر رمضان ويوم الخميس. ومن وما بعدها بيان لقوله «بالقواعد القواطع» قدم عليه رعاية للسجع.
والقاعدة: قضية كلية، يتعرف منها أحكام جزئياتها نحو: الأمر للوجوب حقيقة، والعلم ثابت لله تعالى.
المحشي: قوله: «المختتم بما يناسبه من التصوف» اعتذار على المصنف في اقتصاره هنا على فني الأصول، بأن ما ذكر آخر الكتاب من التصوف، ليس مقصودا بالذات، بل بالعرض، فهو تابع ورديف.
قوله: «وفن كذا من إضافة المسمى إلى الاسم» يجوز أيضا أن يكون من إضافة العام إلى الخاص، وإن كان الأول أقعد. قوله: «والقاعدة قضية كلية، يتعرف منها أحكام جزئياتها» أي جزئيات موضوعها، إذ موضوعها أمر كلي، كالأمر فيما مثل به للقاعدة من أصول الفقه بقوله: «نحو الأمر للوجوب حقيقة» إذ يندرج فيه جزئياته كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان، ولها أحكام، وهي كون كل منها للوجوب حقيقة، والقضية الكلية تشتمل على تلك الأحكام بالقوة.
الشارح: والقاطع بمعنى المقطوع بها ك (عيشة راضية) الحاقة: 21، من إسناد ما للفاعل إلى المفعول به، لملابسة الفعل لهما.
Shafi 8
والقطع بالقواعد بقطعية أدلتها، المبنية في محالها كالعقل المثبت للعلم والقدرة لله تعالى، والنصوص والإجماع المثبتة للبعث والحساب، وكإجماع الصحابة المثبت لحجية القياس وخبر الواحد، حيث عمل كثير منهم بهما متكررا شائعا، مع سكوت الباقين، الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامة وفاق عادة، وفي ما ذكره من الأصول قواعد قواطع تغليب، فإن من أصول الفقه ما ليس بقطعي، كحجية الاستصحاب ومفهوم المخالفة، ومن أصول الدين ما ليس بقاعدة، كعقيدة أن الله موجود، وأنه ليس بكذا مما سيأتي.
المحشي: وتعرفها منها بالفعل ، بأن يحمل موضوعها في المثال «على أقيموا» مثلا فتحصل قضية، وتجعل صغرى، والقضية الكلية كبرى فيقال: «أقيموا» أمر، والأمر للوجوب حقيقة، ينتج أقيموا للوجوب حقيقة. وكالعلم فيما مثل به للقاعدة من أصول الدين بقوله: «والعلم ثابت لله تعالى» إذ يندرج فيه جزئياته، كالعلم بأحوال زيد، والعلم بأحوال عمرو، والعلم بأحوال بكر، ولها أحكام هي كون كل منها ثابتا لله تعالى، فيركب من ذلك قياس. فيقال: العلم بأحوال زيد مثلا علم، والعلم ثابت لله تعالى، ينتج العلم بأحوال زيد ثابت لله تعالى. ويقال للقاعدة: القانون، والأصل، والضابط ولا جناس في قول المصنف «بالقواعد القواطع»، والقول بأن فيه جناسا مضارعا، لاتفاق الكلمتين في عدد الحروف والهيئات، واختلافهما في حرف مع التقارب مخرجا، أو جناسا لاحقا، لاتفاقهما في العدد والهيئات واختلافهما في الآخر مردود، إذ يشترط في كل منهما الاتفاق في الترتيب أيضا، وفي الثاني عدم تقارب الحرفين المختلفين مخرجا.
قوله: «والنصوص والإجماع» لم يأت فيه بالكاف مع أنه المناسب لسابقه ولاحقه لأنه من نوع سابقه، لأن كلا منهما متعلق بأصول الدين، ولاحقه متعلق بأصول الفقه. قوله: «وخبر الواحد»: معطوف على القياس. قوله: «الذي هو» إلى آخره، صفة ل «سكوت الباقين»، وقوله: «هو» مبتدأ خبره «وفاق»، وما بينهما بيان لمثل ذلك. قوله: «وفيما ذكره من أن الأصول قواعد قواطع تغليب» أي نظرا إلى الدليل كما قرره أولا.
وإلا فلو نظر إلى وجوب العمل أيضا، كان ما جعله ظنيا قطعيا أيضا، إذ القطع قد يكون بالنظر إلى الدليل كالمتواتر، وقد يكون بالنظر إلى الدلالة، وإن كان الدليل ظنيا، وقد يكون بالنظر إلى وجوب العمل، كمظنون المجتهد، فإنه قطعي للعمل لا تجوز مخالفته، لكن الشارح مشى على ما رجحه المصنف في شرح المختصر، فقد حكى فيه خلافا: هل مسائل أصول الفقه كلها قطعية، أو بعضها قطعي وبعضها ظني، ثم قال: والأول هو رأي القاضي وأكثر المتقدمين، والثاني هو الأظهر عندنا.
صاحب المتن: البالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجد والتشمير الوارد من زهاء مائة مصنف منهلا يروي
الشارح: «البالغ من الإحاطة بالأصلين» لم يقل الأصولين الذي هو الأصل، إيثارا للتخفيف من غير إلباس. «مبلغ ذوي الجد» بكسر الجيم أي بلوغ أصحاب الاجتهاد «والتشمير» من تلك الإحاطة. «الوارد» أي الجائي.
«من زهاء مائة مصنف» بضم الزاي والمد، أي قدرها تقريبا من زهوته بكذا أي حزرته. حكاه الصغاني، قلبت الواو همزة لتطرفها إثر ألف زائدة كما في كساء. «منهلا» حال من ضمير الوارد.
المحشي: وقول المصنف «من الإحاطة» بيان ل «مبلغ ذوي الجد والتشمير» كما أشار إليه الشارح بقوله «من تلك الإحاطة» فإنه متعلق ب «بلوغ» لا ب «التشمير» ولم يصرح بذلك ولا بتوجيه تقديم البيان على المبين، اكتفاء بما قدمه في قول المصنف «من فن الأصول». قوله: «من غير إلباس» أي في التعبير بالأصلين، بخلاف التعبير بالأصولين، فإنه ملبس بالجمع.
قوله: «منهلا» حال من ضمير الوارد فيه من المبالغة ما ليست في جعله مفعولا للوارد كما تقول: ورد المنهل، وإن كان الثاني أنسب بما قدمه، من تقديم البيان على المبين، بأن يجعل من «زهاء مائة مصنف» بيانا لما بعده،
Shafi 9
صاحب المتن: ويمير، المحيط بزبدة ما في شرحي على المختصر والمنهاج الشارح: «يروي» بضم أوله، أي كل عطشان إلى ما هو فيه «ويمير» بفتح أوله يعني يشبع كل جائع إلى ما هو فيه من مار أهله: أتاهم بالمير، أي الطعام الذي من صفاته أنه يشبع، فحذف معمول الفعلين، للتعميم مع الاختصار بقرينة السياق، والمنهل: عين ماء تورد، ووصفه بالإرواء والإشباع كماء زمزم، فإنه يروى العطشان ويشبع الجوعان.
ومن استعمال الجوع والعطش في غير معناهما المعروف -كما هنا- قول العرب: جعت إلى لقائك: أي اشتقت، وعطشت إلى لقائك، أي اشتقت. حكاه الصغاني.
المحشي: والمعنى عليه أنه وصف كتابه بأنه ورد منهلا يروي ويمير، هو قريب من مائة مصنف في الأصول، فروي منه وامتار أي حمل الميرة وشبع، فشبه الكتب التي استمد منها كتابه بمنهل يروي ويمير من ورده، وإن كان المير إنما يكون من بعض المناه، كماء زمزم ، وشبه كتابه لكثرة ما فيه، بمن ورد ذلك المنهل، وكل منهما استعارة تحقيقية، ثم رشحها بذكر الإرواء والمير، وعلى ما قرره ففي «منهلا يروي ويمير» استعارة تحقيقية أيضا، حيث استعار لكتابه لما احتوى عليه من قواعد الأصلين، التي يتفرع عليها ما لا يحصى لفظ المنهل، الذي من شأنه أن من ورده نال غرضه منه، ثم رشح الاستعارة بما ذكر.
قوله: «ويمير»: بفتح أوله، يجوز أيضا ضمه من أمار. قوله: «والإشباع» عدل إليه عن تعبيره بالمير، الذي هو مصدر يمير، لأنه المقصود، دون الإتيان بالميرة الذي هو معنى المير.
صاحب المتن: مع مزيد كثير.
الشارح: «المحيط» أيضا «بزبدة» أي خلاصة «ما في شرحي على المختصر» لابن الحاجب «والمنهاج» للبيضاوي، وناهيك بكثرة فوائدهما.
«مع مزيد» بالتنوين بضبط المصنف «كثير» على تلك الزبدة أيضا.
المحشي: قوله: «ومن استعمال الجوع والعطش في غير معناهما المعروف» إلخ، أي أما معناهما المعروف بالجوع عرض يخلقه الله تعالى عند خلو المعدة من المأكول، والعطش عرض يخلقه الله تعالى عند خلوها من الماء. قوله: «أيضا» زاده هنا تنبيها على أن كتابه أحاط بزبدة ما في شرحيه، كما أحاط بزبدة غيرهما من الكتب، المشار إليها بقوله «زهاء مائة مصنف». قوله: «وناهيك بكثرة فوائدهما» صيغة مدح مع تأكيد طلب، مثل: حسبك من رجل، وناهيك من رجل.
قال الجوهري وغيره: «يقال: ناهيك من رجل، ونهيك منه، ونهاك منه وتأويله أنه بجده وغنائه ينهاك عن تطلب غيره» انتهى. فمعنى كلام الشارح أنهما بكثرة فوائدهما ينهيانك عن تطلب غيرهما، والباء متعلقة بمحذوف، وهي مع مدخولها خبر ناهيك، بمعنى نهايتك وكفايتك: أي كفايتك حاصلة بكثرة فوائدهما، ويحتمل زيادتها، وخبر ما.
ما ينحصر فيه الكتاب
صاحب المتن: وينحصر في مقدمات ...
الشارح: «وينحصر» جمع الجوامع، يعني المعنى المقصود منه «في مقدمات» بكسر الدال.
المحشي: قبلها مدخولها، أي كافيك كثرة فوائدهما، ويحتمل عكسه، أي كثرة فوائدهما كافيتك.
قوله: «بضبط المصنف» اسنده إليه تقوية لدفع توهم أنه مضاف ل «كثير».
قوله: «وينحصر» إلى آخره، هو باعتبار لازمه من تقسيم الكل إلى أجزائه، وهو تفصيله وتحليله إليها، فلا يصدق المقسم على أقسامه ضرورة أن الكل لا يحمل على الجزء، من حيث هو جزء، بخلاف تقسيم الكلي إلى جزئياته، فهو هنا ممتنع، وهذا بخلاف انقسام أصول الفقه إلى أنواعه فإنه من تقسيم الكلي إلى جزئياته لا من تقسيم الكل إلى أجزائه.
Shafi 10
قوله: «يعني المعنى المقصود منه» أي بالذات أو بالعرض، دفع لايراد الخطبة، وما وصف به الكتاب بعد تمام المقصود منه.
صاحب المتن: وسبعة كتب
الشارح: كمقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه، من قدم اللازم بمعنى تقدم ومنه (لا تقدموا بين يدي الله) الحجرات: 1 وبفتحها على قلة: كمقدمة الرحل في لغة، من قدم المتعدي أي في أمور متقدمة أو مقدمة على المقصود بالذات، للانتفاع بها فيه، مع توقفه على بعضها كتعريف الحكم وأقسامه، إذ يثبتها الأصولي تارة، وينفيها أخرى، كما سيأتي.
«وسبعة كتب» في المقصود بالذات خمسة في مباحث أدلة الفقه الخمسة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال.
المحشي: قوله: «أي في أمور متقدمة أو مقدمة» فيه مع ما قبله لف ونشر مرتب.
قوله: «مع توقفه على بعضها» أشار به مع ما قبله، إلى أن المصنف جمع بين مقدمة العلم، وهي ما يتوقف عليه الشروع في مسائله، كمعرفة حده وغايته وموضوعه، ومقدمة الكتاب: وهي ما قدمت أمام المقصود، لارتباط له بها، وانتفاع بها فيه، سواء توقف المقصود عليها أم لا. قوله: «إذ يثبتها الأصولي تارة، وينفيها أخرى» أي وكل من إثباتها ونفيها، متوقف على تصورها، المفاد بتعريفها.
قوله: «بين هذه الأدلة عند تعارضها» بيان لمناسبة ذكر التعادل والتراجيح عقب الأدلة.
الشارح: والسادس في التعادل والتراجيح بين هذه الأدلة عند تعارضها، والسابع في الاجتهاد الرابط لها بمدلولها، وما يتبعه من التقليد، وأحكام المقلدين، وآداب الفتيا، وما ضم إليه من علم الكلام، المفتتح بمسألة التقليد في أصول الدين، المختتم بما يناسبه من خاتمة التصوف.
المحشي: قوله: «الرابط لها بمدلولها» أي عند المجتهد، بيان لمناسبة ذكر الاجتهاد عقب ما ذكر. قوله: «وما يتبعه» معطوف على الاجتهاد وكذا قوله: «وما ضم إليه من علم الكلام». قوله: «المختتم بما يناسبه من خاتمة التصوف» قد يقال: لم ذكر هنا خاتمة، وتركها فيما مر؟ ويجاب: بأن كلامه ثم ناظر إلى المعاني، وهنا إلى المباني والتراجم، بقرينة قوله: «المفتتح بمسألة التقليد».
تعريف أصول الفقه
صاحب المتن: الكلام في المقدمات: أصول الفقه: دلائل الفقه الإجمالية.
الشارح: «الكلام في المقدمات» افتتحها بتعريف أصول الفقه، ليتصور طالبه بما يضبط مسائله الكثيرة، ليكون على بصيرة في تطلبها، إذ لو تطلبها قبل ضبطها لم يأمن فوات ما يرجيه، وضياع الوقت فيما لا يعنيه، فقال: «أصول الفقه» أي الفن المسمى بهذا اللقب، المشعر بمدحه، بابتناء الفقه عليه، إذ الأصل ما يبتنى عليه غيره.
المحشي: الكلام في المقدمات: قوله: «على بصيرة في تطلبها» أشار به إلى أن الشارع في علم لابد أن يتصوره بوجه ما، وإلا لامتنع الشروع فيه، وإلى أن تصوره ليكون على بصيرة إنما يكون بتعريفه، كما أن تصوره ليكون على زيادة بصيرة، إنما يكون بذلك مع تصوره بموضوعه.
قوله: «المسمى بهذا اللقب المشعر بمدحه» إلى آخره، بيان لكونه لقبا، وأنه يشعر بمدح لا بذم، إذ اللقب علم يشعر بمدح أو ذم، ولما كان كل من أسماء العلوم كالأصول والفقه والنحو، تطلق تارة على معلومات معينة.
نحو: زيد يعلم الفقه، أي يعلم تلك المعلومات، وتارة على إدراكها، عرف جماعة أصول الفقه: بأنه دلائل الفقه الإجمالية، وطرق استفادة جزئياتها، وحال مستفيدها. وآخرون: بأنه معرفتها. وقد ذكرهما المصنف باختصار مخل، ورجح منهما الأول لما نقله عنه الشارح بعد، والأوجه: أن دلائل الفقه اللإجمالية التي اقتصر عليها لا تصلح تعريفا لأصول الفقه، لأنها موضوعه، لكونها يبحث فيه عن أحوالها العارضة لها، من عموم وخصوص.
Shafi 11
وأمر ونهي، وغيرها، فلا يعرف بها، لأن تعريف العلم غير موضوعه، ولكل علم مبادئ، وموضوع، ومسائل، فمبادئه: تعريفه، وتعريف أقسامه، وفائدته وما منه استمداده.
وموضوعه: ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، كالأدلة كما عرفت.
ومسائله: ما يطلب نسبة محموله إلى موضوعه في ذلك العلم ، كعلمنا هنا بأن الأمر للوجوب، والنهي للتحريم.
قال المصنف في «منع الموانع»: «وإنما لم أقل أصول الفقه دلائله، لئلا يتوهم عود الضمير إلى الأصول، ولأن التعريف يجتنب فيه الإضمار ما أمكن.
صاحب المتن: دلائل الفقه الإجمالية.
الشارح: «دلائل الفقه الإجمالية» أي غير المعينة كمطلق الأمر والنهي، وفعل النبي والإجماع والقياس والاستصحاب المبحوث عن أولها، بأنه للوجوب حقيقة، والثاني أنه للحرمة كذلك، والباقي بأنها حجج، وغير ذلك مما يأتي - مع ما يتعلق به- في الكتب الخمسة.
المحشي: ولتغاير الفقهين لأن الأول أحد جزئي لقب مركب من متضائفين والثاني العلم المعروف. قال: وهذا هو المعتمد عندي». قوله: «أي غير المعينة» أي غير المفصلة، قوله: «كمطلق الأمر» إلى آخره، أي الخالي ذلك عن قرينة تفيد المراد منه، وعن كون متعلقه خاصا، قوله: «وغير ذلك» أي كالعام والخاص، والمطلق والمقيد المبحوث عنها بما يأتي في محالها فغير معطوف على مطلق الأمر، ويجوز عطفه على مدخول الباءات المذكورة وعلى أخبار أن في المحال المذكورة وتمثيله كالسبكي للأدلة الإجمالية بالأمثلة المذكورة، ظاهر في أن المراد بالدليل المبحوث عنه هو المفرد، الذي هو موضوع القضية، لا القضية التي هي قاعدة، وهو الموافق لما سيأتي، من أن الدليل عند الأصوليين: ما يمكن التوصل إلى آخره، كالعالم.
الشارح: فخرج الدلائل التفصيلية، نحو (وأقيموا الصلاة) البقرة: 43، (ولا تقربوا الزنا) الإسراء: 32 وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة كما أخرجه الشيخان، والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب، حيث لا عاصب لهما، وقياس الأرز على البر في امتناع بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد كما رواه مسلم، واستصحاب الطهارة لمن شك في بقائها، فليست أصول الفقه، وإنما يذكر بعضها في كتبه للتمثيل.
المحشي: فإنه بالنظر إلى أحواله من تغير وتجدد، يتوصل به إلى المطلوب وهو حدوث العالم، لكنه ينافي قول المصنف قبل «الآتي من فن الأصول بالقواعد»، لأن المعتبر في القاعدة: التوصل بالفعل، وفي الدليل: التوصل بالقوة، بقرينة قولهم: «ما يمكن»، فإن حملت القاعدة على الدليل فلا منافاة، قوله: «فخرج الدلائل التفصيلية نحو أقيموا الصلاة» ليس بين الإجمالية والتفصيلية تغاير بالذات، بل بالاعتبار، إذ هما شيء واحد له جهتان، كأقيموا الصلاة، له جهة إجمال: هي كونه أمرا، وجهة تفصيل: هي كون متعلقه خاصا، وهو إقامة الصلاة، فالأصولي يعرف الدلائل من الجهة الأولى، والفقيه من الثانية، وتبع في جمعه دليل على دلائل المصنف، وهو جائز، لكنه نادر، كوصيد ووصائد.
تعريف الأصولي
صاحب المتن: وقيل: معرفتها.
والأصولي العارف بها، وبطرق استفادتها ومستفيدها.
الشارح: «وقيل» أصول الفقه «معرفتها» أي معرفة دلائل الفقه الإجمالية، ورجح المصنف الأول بأنه الأقرب إلى المدلول لغة، إذ الأصول لغة: الأدلة كما في تعريف جميعهم، الفقه بالعلم بالأحكام لا نفسها، إذ الفقه لغة: الفهم،
المحشي: إذ شرط اطراد جمع فعيل على فعائل، كونه مؤنثا، كسعيد علم امرأة، وبذلك بطل قول من زعم: أن جمع دليل على دلائل لحن.
Shafi 12
«أي معرفة دلائل الفقه الإجمالية» أي معرفة أحوالها، وكذا يقدر في نظيره بعد. ويعبر عن هذا القول بأنه العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه. قال السعد التفتازاني: «ولا يدخل فيه علم الخلاف، لأنا نمنع أن قواعده يتوصل بها إلى الفقه توصلا قريبا، بل إنما يتوصل بها إلى محافظة الحكم المستنبط أو مدافعته، ونسبته إلى الفقه وغيره سواء.
الشارح: «والأصولي» أي المرء المنسوب إلى الأصول، أي المتلبس به. «العارف بها» أي بدلائل الفقه الإجمالية «وبطرق استفادتها»: يعني المرجحات المذكور معظمها في الكتاب السادس، «و» بطرق «مستفيدها» يعني صفات المجتهد المذكور في الكتاب السابع، ويعبر عنها بشروط الاجتهاد ...
المحشي: فإن الجدلي: إما مجيب يحفظ وضعا، أو معترض يهدم وضعا، إلا أن الفقهاء أكثروا فيه من مسائل الفقه، وبنوا نكاته عليها، حتى يتوهم أن له اختصاصا بالفقه»، وأصول الفقه، وإن كان أصلا للفقه -لاحتياجه إليه- فرع لأصول الدين، لاحتياج كون الأدلة حجة لمعرفة الصانع وصفاته. قوله: «يعني» إلى آخره في الموضعين تفسير للطرق، وأتى ب «يعني» دون «أي» لأن الطرق ليست ظاهرة فيما فسر به. قوله: «وبطرق مستفيدها» عطف «مستفيدها » على «استفادتها» وهو صحيح، وإن كان الأولى عطفه على «طرق» أي وبمستفيدها، أي بحاله كما شرح عليه بعضهم،
أخذا من كلام البيضاوي وغيره.
وبالجملة: الأصولي منسوب إلى الأصول، فلا يحتاج إلى تعريفه، لكن المصنف لم يكتف في صدق اسمه بمعرفة الأصول حتى يعرف معها ما تتوقف هي عليه، من طرق استفادة الأدلة ومستفيدها، وسيأتي نقله عنه مع رده في كلام الشارح.
قوله: «المجتهد» قيد به لأنه الذي يستفيد من الأدلة التفصيلية، بخلاف المقلد، فإنه إنما يستفيد من المجتهد بواسطة دليل إجمالي، وهو أن هذا أفتاه به المفتي وكل ما أفتاه به المفتي فهو حكم الله في حقه لآية (فاسألوا أهل الذكر) النحل: 43، وللإجماع على ذلك، فجعله داخلا في المستفيد سهو.
الشارح: وبمرجحات، أي بمعرفتها تستفاد دلائل الفقه، أي ما يدل عليه من جملة دلائله التفصيلية عند تعارضها.
وبصفات المجتهد، أي بقيامها بالمرء، يكون مستفيدا لتلك الدلائل، أي أهلا لاستفادتها بالمرجحات، فيستفيد الأحكام منها، ولتوقف استفادة الأحكام منها التي هي الفقه على المرجحات، وصفات المجتهد على الوجه السابق ذكروها في تعريفي الأصول، الموضوع لبيان ما يتوقف عليه الفقه من أدلته، لكن الإجمالية -كما تقدم - دون التفصيلية لكثرتها جدا. ومن المرجحات وصفات المجتهد، وأسقطها المصنف كما علمت لما قاله من أنها ليست من الأصول.
المحشي: قوله: «وبمرجحات أي بمعرفتها» إلى آخره، توطئة لاعتراضه على المصنف فيما يأتي. وقوله: «أي ما يدل عليه» إلى آخره، فسر به دلائل الفقه، وصرح به بعد أيضا، ليبين أن المراد الدلائل التفصيلية، لا الإجمالية، كما يفهمه كلام المصنف، وإن تقدم أنهما متحدان بالذات، و«من» في قوله: «من جملة دلائله» تبعيضية، وقوله «لتلك الدلائل» أي التفصيلية، وقوله «التي هي الفقه» صفة لاستفادة الأحكام منها، لأنها الفقه، الذي هو العلم بالأحكام الآتي بيانها. قوله: «على الوجه السابق» أي من أن المعتبر في المرجحات معرفتها، وفي صفات المجتهد قيامها به. وقوله «كما تقدم» أي في قوله: أي «بدلائل الفقه الإجمالية».
وفي قول المصنف «أصول الفقه دلائل الفقه الإجمالية»، واعتبر فيه الإجمالية دون التفصيلية، لانضباط الكلية دون التفصيلية، كما نبه عليه بقوله «لكثرتها جدا». وقوله «ومن المرجحات وصفات المجتهد» عطف على «من أدلته»، وكلاهما بيان لما يتوقف عليه الفقه.
Shafi 13
الشارح: وإنما تذكر في كتبه لتوقف معرفته على معرفتها لأنها طريق إليه. قال: وذكرها حينئذ في تعريف الأصولي، كذكرهم في تعريف الفقيه، ما يتوقف عليه الفقه من شروط الاجتهاد، حيث قالوا: الفقيه المجتهد، وهو ذو الدرجة الوسطى، عربية وأصولا، إلى آخر صفات المجتهد، وما قالوا: الفقيه العالم بالأحكام. هذا كلامه الموافق لظاهر المتن، في أن المرجحات، وصفات المجتهد، طريق للدلائل الإجمالية، التي بني عليه ما لم يسبق إليه، كما قال من اسقاطها من تعريفي الأصول، وأنت خبير- مما تقدم- بأنها طريق للدلائل التفصيلية، وكأن ذلك سرى إليه من كون التفصيلي.
المحشي: وقوله «لما قاله» أي في «منع الموانع». وكذا قوله: «قال»، وقوله: «من اسقاطها» بيان ل «ما لم يسبق إليه»، قوله: «وأنت خبير» شروع في الاعتراض على المصنف.
قوله: «مما تقدم» أي في قوله: «وبالمرجحات» إلى آخره.
الشارح: جزئيات الإجمالية، وهو مندفع بأن توقف التفصيلية على ما ذكر من حيث تفصيلها المفيد للأحكام. على أن توقفها على صفات المجتهد من ذلك من حيث حصولها للمرء لا معرفتها. والمعتبر في مسمى الأصولي معرفتها على حصولها، كما تقدم كل ذلك. وبالجملة فظاهر أن معرفة الدلائل الإجمالية المذكورة في الكتب الخمسة، لا تتوقف على معرفة شيء من المرجحات، وصفات المجتهد، المعقود لها الكتابان الباقيان، لكونها من الأصول، فالصواب ما صنعوا من ذكرها في تعريفيه، كأن يقال: أصول الفقه دلائل الفقه الإجمالية وطرق استفادتها ومستفيد جزئياتها.
المحشي: قوله «وهو» أي ما سرى إليه من أنها طريق للإجمالية مندفع إلى آخره. قوله: «على ما ذكر» أي من المرجحات وصفات المجتهد. قوله: «من ذلك» أي مما ذكر من المرجحات وصفات المجتهد، وفائدة ذكره ربط الكلام به لا إخراج شيء.
قوله: «من حيث حصولها للمرء لا معرفتها» بين به أن قول المصنف أنها إنما تذكر في كتب الأصول ، لتوقف معرفته على معرفتها، غير قويم.
قوله: «والمعتبر» إلى آخره، بين به أن قول المحشي: «وذكرها حينئذ» إلى آخره، غير قويم أيضا بالنظر لصفات المجتهد، قوله: «لكونها من الأصول» تعليل لقوله «المعقود لها الكتابان الباقيان».
قوله: «وطرق استفادتها ومستفيد جزئياتها» أشار به إلى الرد على المصنف، في جعل الضمير في استفادتها ومستفيدها راجعا إلى الدلائل الإجمالية، لما مر من أن الطرق المذكورة إنما هي طرق لاستفادة الأدلة التفصيلية.
الشارح: وقيل: معرفة ذلك، ولا حاجة إلى تعريف الأصولي للعلم به من ذلك، وأما قولهم المتقدم الفقيه المجتهد وكذا عكسه الآتي في كتاب الاجتهاد، فالمراد به بيان الماصدق، أي ما يصدق عليه الفقيه، وهو ما يصدق عليه المجتهد، والعكس بالعكس، لا بيان المفهوم، وإن كان هو الأصل في التعريف، لأن مفهومهما مختلف، ولا حاجة إلى ذكره للعلم به من تعريفي الفقه والاجتهاد، فما تقدم من أنهم ما قالوا الفقيه العالم بالأحكام أي إلى آخره، لذلك على أن بعضهم قاله تصريحا بما علم التزاما.
المحشي: قوله: «من ذلك» أي مما ذكر من تعريفه، قوله: «لأن مفهومهما مختلف» تعليل لقوله «لا لبيان المفهوم».
قوله: «ولا حاجة إلى ذكره» أي مفهوم الفقيه والمجتهد قوله: «لذلك» أي للعلم به مما ذكر.
قوله: «على أن بعضهم» أي كالشيخ أبي إسحاق الشيرازي في كتابه في الحدود.
تعريف الفقه
صاحب المتن: والفقه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
الشارح: «والفقه العلم بالأحكام» أي بجميع النسب التامة «الشرعية» أي المأخوذة من الشرع.
المبعوث به النبي الكريم «العملية» أي المتعلقة بكيفية عمل قلبي أو غيره، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر مندوب.
«المكتسب» ذلك العلم «من أدلتها» أي من الأدلة التفصيلية للأحكام.
فخرج بقيد الأحكام: العلم بغيرها، من الذوات والصفات كتصور الإنسان والبياض.
وبقيد الشرعية العلم بالأحكام العقلية والحسية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة.
Shafi 14
المحشي: قوله: «أي بجميع النسب التامة» والنسبة التامة هي: ثبوت أمر لآخر إيجابا أو سلبا، فالحكم هنا بمعنى النسبة التامة بين الأمرين، التي العلم بها، من حيث إنها واقعة أو ليست بواقعة تصديق، وبغيرها تصور،
لا بمعنى ما أصطلح عليه الأصوليون: من أنه خطاب الله - الآتي بيانه وإلا لكان ذكر الشرعية تكرارا، ولا بمعنى ما اصطلح عليه المنطقيون: من أنه إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة، المسمى تصديقا، لأنه علم، والفقه ليس علما بالعلوم الشرعية، فالعلم بالأحكام المذكورة التصديق بتعليقها لا تصورها، لأنه من مبادئ أصول الفقه، لا التصديق بثبوتها، لأنه من علم الكلام.
قوله: «من الذوات والصفات» أي والأفعال، وكأنه اكتفى عنها بالصفات، بناء على أن المراد بالذوات الموضوعات، وبالصفات المحمولات الشاملة للأفعال.
قوله: «العقلية والحسية» أي والوضعية وهي الاصطلاحية، كالعلم «1» بأن الفاعل مرفوع.
هذا مع أن الحاكم في الحقيقة في الأخيرين إنما هو العقل على المشهور، لكن بواسطة الحس والوضع.
الشارح: وبقيد العملية العلم بالأحكام الشرعية العلمية أي الاعتقادية كالعلم بأن الله واحد وأنه يرى في الآخرة. وبقيد المكتسب علم الله وجبريل والنبي بما ذكر.
المحشي: قوله: «أي الاعتقادية» يعني المتعلقة بحصول علم، وإن كان عمل قلب، بقرينة قوله -الآتي في تعريف الحكم- «فتناول» الفعل القلبي الاعتقادي وغيره». فالحكم القلبي قسمان: ما متعلقه حصول علم، وما متعلقه كيفية عمل.
قوله: «وبقيد مكتسب علم الله وجبريل والنبي بما ذكر» أما علم الله فلا يوصف بالاكتساب، بل ولا بضرورة، بل لم يأخذه من دليل، إذ علمه تعالى بكل شيء قديم، وأما علم جبريل والنبي فضروري لا مكتسب، إذ لا طريق إلى علمهما بأن ما أوحي إليهما هو كلامه، وبأن مراد منه كذا إلا العلم الضروري بذلك، بأن يخلق الله لهما علما ضروريا به، نعم قيد الإسنوي،
الشارح: وبقيد التفصيلية العلم بذلك المكتسب للخلافي، من المقتضي والنافي، المثبت بهما ما يأخذه من الفقيه، ليحفظه عن إبطال خصمه. فعلمه مثل: بوجوب النية في الوضوء، لوجود المقتضي، أو بعدم وجوب الوتر، لوجود النافي ليس من الفقه. وعبروا عن الفقه هنا بالعلم، وإن كان لظنية أدلته ظنا، كما سيأتي التعبير به عنه في كتاب الاجتهاد، لأنه ظن المجتهد الذي هو لقوته قريب من العلم.
المحشي: وغيره علم النبي بالعلم الحاصل بالوحي، وقضيته أن علمه الحاصل باجتهاده فقه وهو ظاهر، وإلا لكان التعريف غير مانع، وأما علمه به فدليل، كعلمه بالوحي.
قوله: «وبقيد التفصيلية العلم بذلك المكتسب للخلافي من المقتضي والنافي» إلى آخره تبع فيه جماعة منهم المصنف، وهو مبني على أن كلا من المقتضي والنافي يفيد علما، والحق أنه لا يفيد علما حتى يعين، فيكون هو الدليل المفيد لذلك، وحينئذ إن كان الخلافي أهلا للاكتساب منه كان فقيها، فالحق أن قوله: «من أدلتها التفصيلية».
خرج به العلم المذكور للمقلد، فإنه إنما يستفيده من المجتهد بواسطة دليل إجمالي كما مر.
وأما قول الزركشي: «الظاهر أن ذكر التفصيلية ليس للاحتراز فإن اكتساب الأحكام لا يكون من غير أدلتها التفصيلية، وإنما ذكرت للدلالة على المكتسب منه بالمطابقة، فالصواب عدم ذكرها لئلا يوهم أنه قيد زائد». فلا يخفي ما فيه، إذ بتقدير تسليمه لا يقال في الموهم أنه غير الصواب، ولأن القيود إنما تذكر في الأصل لبيان الماهية، وإن كفي بعضها في الاحتراز، فالصواب ذكرها.
تعريف الحكم الشرعي
صاحب المتن: والحكم ...
Shafi 15
الشارح: وكون المراد بالأحكام جميعها، لا ينافيه قول مالك - من أكابر الفقهاء - في ست وثلاثين مسألة، من أربعين سئل عنها: لا أدري، لأنه متهيئ للعلم بأحكامها، بمعاودة النظر، واطلاق العلم على مثل هذا التهيؤ شائع عرفا. يقال: فلان يعلم النحو، ولا يراد أن جميع مسائله حاضرة عنده على التفصيل، بل إنه متهيئ لذلك. وما قيل: من أن الأحكام الشرعية قيد واحد، جمع الحكم الشرعي المعرف بخطاب الله الآتي، فخلاف الظاهر، وإن آل إلى ما تقدم في شرح كونهما قيدين كما لا يخفى.
المحشي: قوله: «لا ينافيه قول مالك» إلى آخره، هو المشهور، وروى ابن عبدالبر في مقدمة التمهيد أنه سئل عن ثمان وأربعين، مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري. قوله: «بل إنه متهيئ لذلك» أي بأن تكون له ملكة يقتدر بها على إدراك جزئيات الأحكام. قوله: «فخلاف الظاهر» أي بل الظاهر أنهما قيدان كما مر في كلامه ما يشير إليه، وليس لهذا كبير فائدة.
صاحب المتن: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف.
الشارح: «والحكم» المتعارف بين الأصوليين بالإثبات تارة والنفي أخرى.
«خطاب الله» أي كلامه النفسي الأزلي، المسمى في الأزل خطابا حقيقة على الأصح، كما سيأتي.
المحشي: قوله «المتعارف بين الأصوليين» أشار به إلى إخراج خطاب الوضع كما ذكره بعد، وإلى أن المصنف إنما ذكر تعريف الحكم وأقسامه هنا، لما مر من أن تصورها من المقدمات، التي يتوقف عليها المقصود بالذات، إذ الأصولي يثبتها تارة وينفيها أخرى، لا لكونه ذكر الحكم في تعريف الفقه قبيله، لأن ذاك يقتضي أن الحكم في المحلين واحد كما توهمه جماعة، وليس كذلك، بل الذي عرفه كغيره هنا هو: «الحكم المتعارف بين الأصوليين وهو خطاب الله» إلى آخره، والحكم المأخوذ في تعريف الفقه ليس خطابا، بل ما يثبت به من وجوب وحرمة وغيرهما، إن نظر إليه مقيدا بما بعده، وإلا فهو ثبوت أمر لآخر إيجابا أو سلبا كما مر.
قوله: «خطاب الله أي كلامه النفسي الأزلي» الخطاب لغة: توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ثم نقل إلى ما يقع به التخاطب، والمراد هنا ما فسر به الشارح.
الشارح: «المتعلق بفعل المكلف» أي البالغ العاقل تعلقا معنويا قبل وجوده كما سيأتي، وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة، إذ لا حكم قبلها كما سيأتي.
المحشي: قوله: «المسمى في الأزل خطابا حقيقة على الأصح» أشار به إلى أن تفسير خطاب الله بكلامه النفسي الأزلي، مبني على ذلك، إما على مقابله، فيفسر الخطاب بالكلام الموجه للإفهام، أو الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيئ لفهمه.
قوله: «أي البالغ العاقل» عدل كالأصفهاني إلى تفسير المكلف بهذا، عن تفسيره بمن تعلق به حكم الشرع، لئلا يلزم الدور. تعلق به حكم الشرع، لئلا يلزم الدور.
قوله: «قبل وجوده» أي وكذا بعد وجوده قبل البعثة.
الشارح: «من حيث إنه مكلف» أي ملزم ما فيه كلفة، كما يعلم مما سيأتي، فتناول الفعل القلبي الاعتقادي وغيره، والقولي وغيره والكف، والمكلف واحد كالنبي صلى الله عليه وسلم في خصائصه، والأكثر من الواحد، والمتعلق بأوجه التعلق الثلاثة من الاقتضاء والجازم، وغير الجازم، والتخيير الآتية، لتناول حيثية التكليف للأخيرين منها، كالأول الظاهر، فإنه لو لا وجود التكليف لم يوجدا. ألا ترى إلى انتفائهما قبل البعثة، كانتفاء التكليف ثم الخطاب المذكور، يدل عليه الكتاب والسنة وغيرهما.
Shafi 16
المحشي: قوله: «من حيث إنه مكلف» بكسر الهمزة، وقد أولع الفقهاء بفتحها وعد من اللحن، لكنه يجوز على رأي الكسائي في إضافة حيث إلى المفرد قاله الزركشي، وقد أوجب المتوسط وغيره فتحها، والحق جواز الأمرين، وإن كان كسرها أكثر، وأورد على المحشي: أنه كان ينبغي أن يزيد بعد المكلف «به».
الشارح: وخرج «بفعل المكلف» خطاب الله المتعلق بذاته، وصفاته، وذوات المكلفين، والجمادات، كمدلول: (الله لا إله إلا هو) البقرة: 255، (خالق كل شيء) الأنعام: 102، (ولقد خلقناكم) الأعراف: 11، (ويوم نسير الجبال) الكهف: 47، وبما بعده بمدلول: (وما تعملون) الصافات: 96، من قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) الصافات: 96، فإنه متعلق بفعل المكلف، من حيث إنه مخلوق لله تعالى.
المحشي: وأجيب: بأنه لو زاده لاقتضى أن المكلف لا يخاطب إلا بما كلف به، وليس كذلك، إذ المندوب والمكروه والمباح مخاطب بها، مع أنه غير مكلف بها كما سيأتي.
قوله: «فتناول» أي التعريف. قوله: «والقولي» أي كتكبير التحرم، عطف على «القلبي» الشامل للاعتقادي كاعتقاد أن الله واحد، ولغيره كالنية في الوضوء، قوله: «وغيره» أي كأداء الزكاة والحج. قوله: «الآتية» صفة لمدخولات «من» أو «لأوجه التعلق»، والمعنى واحد.
الشارح: ولا خطاب يتعلق بفعل غير البالغ العاقل. وولي المجنون مخاطب بأداء ما وجب في ما لهما منه، كالزكاة وضمان المتلف. كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفه حيث فرط في حفظها، لتنزل فعلها في هذه الحالة منزلة فعله. وصحة عبادة الصبي كصلاته وصومه المثاب عليها، ليس لأنه مأمور بها كالبالغ، بل ليعتادها فلا يتركها بعد بلوغه إن شاء الله ذلك. ولا يتعلق الخطاب بفعل كل بالغ عاقل، كما يعلم مما سيأتي، من امتناع تكليف الغافل والملجأ والمكره. ويرجع ذلك في التحقيق إلى انتفاء تكليف البالغ العاقل في بعض أحواله. وأما خطاب الوضع الآتي فليس من الحكم المتعارف.
المحشي: قوله: «للأخيرين» أي للاقتضاء غير الجازم والتخيير، «الأول الظاهر» أي الاقتضاء الجازم، فإن تناول حيثية التكليف له ظاهر، وللأخيرين خفي، لأن الاقتضاء الجازم: هو إلزام ما فيه كلفة، وهو معنى التكليف بخلاف الأخيرين لا إلزام فيهما، ولهذا بينهما بقوله: «فإنه لو لا وجود التكليف لم يوجدا» إلى آخره.
قوله: «ولا خطاب يتعلق بفعل غير البالغ العاقل» نفى الخطاب التكليفي عن فعل غير البالغ العاقل، لما يأتي من أن الخطاب الوضعي يتعلق بذلك.
قوله: «ومن جعله منه» أي من الحكم المتعارف، زاد «أو الوضع» فإنه يقول الخطاب نوعان: تكليفي ووضعي، فإذا ذكر أحدهما.
لا حكم إلا لله
صاحب المتن: ومن ثم، لا حكم إلا لله
الشارح: كما مشى عليه المصنف، ومن جعله منه -كما اختاره ابن الحاجب - زاد في التعريف السابق ما يدخله، فقال: «خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع»، لكنه لا يشمل من الوضع ما متعلقه غير فعل المكلف كالزوال سببا لوجوب الظهر.
المحشي: وجب ذكر الآخر، ومن لم يجعله منه، يمنع كون الخطاب الوضعي حكما، فكيف يجب ذكره في تعريف الحكم، بل كيف يصح؟ وقد يقال: من جعله منه، لا يحتاج إلى زيادة «أو الوضع»، لدخوله في الحد، إذ المراد من الاقتضاء والتخيير، أعم من الصريح والضمني، وخطاب الوضع من قبيل الضمني، إذ معنى سببية الزوال مثلا إيجاب الصلاة عنده، فاندفع ما ذكره بقوله: «لكنه لا يشمل من الوضع ما متعلقه غير فعل المكلف كالزوال سببا لوجوب الظهر»، مع أن السعد التفتازاني سأل ذلك وأجاب عنه: بأن المراد بالتعلق الوضعي أعم من أن يجعل فعل المكلف سببا أو شرطا لشيء أو يجعل «شيء» سببا أو شرطا له.
Shafi 17
الشارح: واستعمل المصنف كغيره «ثم» للمكان المجازي كثيرا، ويبين في كل محل بما يناسبه ، كما سيأتي فقوله هنا «ومن ثم» أي من هنا، وهو أن الحكم خطاب الله، أي من أجل ذلك نقول: «لا حكم إلا لله» فلا حكم للعقل بشيء، مما سيأتي عن المعتزلة المعبر عن بعضه بالحسن والقبح.
المحشي: قوله: «أي من هنا» فسر «ثم» ب «هنا» مع أن المناسب تفسيرها بهناك أو هنالك، لكونها للبعيد، لأن غرضه الاختصار، وأنها للمكان، مع قطع النظر عن كونها للبعيد أو لغيره، بقرينة اقتصاره على قوله: «للمكان».
قوله: «مما سيأتي عن المعتزلة» أي من ترتيب المدح أو الذم إلى آخره، ومن وجوب شكر المنعم عقلا، ومن الحظر والإباحة، والوقف عنهما فيما قبل ورود الشرع، مما لم يقض به العقل، قوله: «المعبر» وصف «لما» قوله: «عن بعضه» هو ثالث الثلاثة الآتية في كلام المصنف.
تعريف الحسن والقبح
صاحب المتن: والحسن والقبح، بمعنى ملائمة الطبع، ومنافرته، وصفة الكمال والنقص، عقلي، وبمعنى ترتب الذم عاجلا، والعقاب آجلا، شرعي
الشارح: ولما شاركه في التعبير بهما عنه، ما يحكم به العقل وفاقا بدأ به تحريرا لمحل النزاع فقال «والحسن والقبح» للشيء «بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته» كحسن الحلو وقبح المر «و» بمعنى «صفة الكمال والنقص» كحسن العلم وقبح الجهل «عقلي» أي يحكم به العقل اتفاقا «وبمعنى ترتب» المدح و«الذم عاجلا» والثواب «والعقاب آجلا» كحسن الطاعة وقبح المعصية «شرعي» أي لا حكم به إلا الشرع المبعوث به الرسل، أي لا يؤخذ إلا من ذلك ولا يدرك إلا به.
المحشي: والضمير في «شاركه» راجع لبعضه وفي «عنه» راجع له أيضا، أو لما يحكم به العقل، وإن تأخر عنه لتقدمه عليه رتبة. قول المصنف «والعقاب» أي ترتبه بمعنى نص الشارع عليه، فلا ينافي جواز العفو عنه عندنا. قوله: «أي لا حكم به» إلى آخره، أشار به إلى أن معنى قول المصنف «لا حكم إلا لله» أنه لا يمكن إدراك حكم شرعي إلا من الله، وإلا فالمعتزلة لم يجعلوا للعقل حكما شرعيا كما يوهمه كلام المصنف، بل جعلوه طريقا إلى العلم به، يمكن إدراكه به من غير ورود سمع، والحكم الشرعي عندهم بحسب المصالح والمفاسد، فما كان حسنا عقلا جوزه الشرع، وما كان قبيحا عقلا منعه الشرع، فالشرع عندهم تابع للعقل، ولهذا يقولون: إنه مؤكد لحكم العقل فيما أدركه من حسن الأشياء وقبحها، والحق عندنا: أن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع.
صاحب المتن: خلافا للمعتزلة.
الشارح: «خلافا للمعتزلة» في قولهم إنه عقلي أي يحكم به العقل، لما في الفعل من مصلحة أو المفسدة يتبعها حسنه أو قبحه عند الله، أي يدرك العقل ذلك بالضرورة، كحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، أو بالنظر كحسن الكذب النافع، وقبح الصدق الضار، وقيل العكس. ويجيء الشرع مؤكدا لذلك أو باستعانة الشرع فيما خفي على العقل، كحسن صوم آخر يوم من رمضان، وقبح صوم أول يوم من شوال، وقوله كغيره: عقلي وشرعي، خبر مبتدأ محذوف، أي كل منهما أو كلاهما، وتركه كغيره -المدح والثواب - للعلم بهما من ذكر مقابلهما الأنسب، كما قال: بأصول المعتزلة، فإن العقاب عندهم لا يتخلف، ولا يقبل الزيادة، والثواب يقبلها، وإن لم يتخلف أيضا.
المحشي: قوله: «خلافا للمعتزلة» منصوب على المصدر أو الحال بتأويله ب «مخالفا» واللام للتبيين كما في سقيا لك قوله: «وقيل العكس» أي قبح الكذب النافع، وحسن الصدق الضار، قوله: «عقلي وشرعي خبر مبتدأ محذوف» يجوز أن يكون خبرا لأحدهما، وحذف خبر الآخر، لدلالة المذكور عليه.
حكم شكر المنعم
Shafi 18
صاحب المتن: وشكر المنعم واجب بالشرع، لا العقل، الشارح: «وشكر المنعم» أي وهو الثناء على الله تعالى، لإنعامه بالخلق والرزق والصحة، وغيرها بالقلب، بأن يعتقد أنه تعالى وليها أو اللسان بأن يتحدث بها أو غيره كأن يخضع له تعالى. «واجب بالشرع لا بالعقل» فمن لم تبلغه دعوة نبي لا يأثم بتركه، خلافا للمعتزلة.
المحشي: قوله: «أي وهو الثناء على الله» إلى آخره، تبع في تفسيره الشكر بالثناء الجوهري وغيره، وفيه تجوز، حيث أطلق الثناء على فعل غير اللسان، من الاعتقاد وفعل الجوارح المراد بقوله «أو غيره» أي أو الثناء بغيره ، والمشهور تفسيره لغة: بفعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الشاكر أو غيره، وعرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه، من السمع وغيره، إلى ما خلق له وهذا هو المعروف هنا. والخطب في ذلك سهل.
انتفاء الأحكام قبل ورود الشرع
صاحب المتن: ولا حكم قبل الشرع، بل الأمر موقوف إلى وروده،
الشارح: «ولا حكم» موجود، «قبل الشرع» أي البعثة لأحد من الرسل، لانتفاء لازمه حينئذ من ترتب الثواب والعقاب بقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الإسراء: 15 أي ولا مثيبين، فاستغنى عن ذكر الثواب بذكر مقابله من العذاب، الذي هو أظهر في تحقق معنى التكليف، وانتفاء الحكم، الذي هو الخطاب السابق، بانتفاء قيد منه، وهو التعلق التنجيزي. «بل الأمر» أي الشأن في وجود الحكم، «موقوف إلى وروده» أي الشرع، أشار بهذا -كما قال - إلى أنه مراد من عبر منا في الأفعال قبل البعثة بالوقف، فليس مخالفا لمن نفى منا الحكم فيها، و«بل» هنا للانتقال من غرض إلى آخر، وإن اشتمل على الأول، إذ توقف الحكم على الشرع مشتمل على انتقائه قبله، ووجوده بعده.
المحشي: قوله: «ولا حكم موجود قبل الشرع»، أي لا حكم متعلق تعلقا تنجيزيا قبل البعثة، وإلا فالحكم قديم لا ينفى، وبذلك علم أن في قوله: «الذي هو الخطاب السابق» تجوزا. قوله: «وهو التعلق التنجيزي» أي هنا، وإلا فقد ينتفي الحكم بانتفاء قيد آخر.
قوله: «كما قال» أي المصنف في «منع الموانع». قوله: «وإن اشتمل» أي الغرض الآخر.
صاحب المتن: وحكمت المعتزلة العقل.
الشارح: «وحكمت المعتزلة العقل» في الأفعال قبل البعثة، فما قضى به شيء منها ضروري كالنفس في الهواء، أو اختياري لخصوصه بأن أدرك فيه مصلحة أو مفسدة أو انتفاءهما، فأمر قضائه فيه ظاهر، وهو أن الضروري مقطوع بإباحته. والاختياري لخصوصه ينقسم إلى الأقسام الخمسة، الحرام وغيره، لأنه إن اشتمل على مفسدة فعله، فحرام كالظلم، أو تركه فواجب كالعدل، أو على مصلحة فعله، فمندوب كالإحسان، أوتركه فمكروه، وإن لم يشتمل على مصلحة أو مفسدة، فمباح.
المحشي: قوله: «وحكمت المعتزلة العقل» أي جعلته حاكما فيما يقضي فيه بحكم، بالمعنى الذي ذكره الشارح «بحسن أو قبح» قوله: «لخصوصه» متعلق باختياري أوب قضى بالنظر إليه. ويدل للأول قوله: بعد «والاختياري لخصوصه» وللثاني قوله: «فإن لم يقض العقل» إلى آخره، واللام تعليلية، أي لأجل خصوص الشيء، بأن أدرك فيه العقل شيئا مما ذكره الشارح. قوله: «فعله» فاعل «اشتمل» وقوله «أو تركه» معطوف عليه.
قوله: «أو على مصلحة فعله» إلى آخره هذا مع قطع النظر عما قبله يشمل أوله الواجب وآخره الحرام، وليس مرادا، فلو قال: وإلا فإن اشتمل على مصلحة فعله إلى آخره، لسلم من ذلك.
صاحب المتن: فإن لم يقض، فثالثها لهم: الوقف عن الحظر والإباحة.
الشارح: «فإن لم يقض» العقل في بعض منها لخصوصه، بأن لم يدرك فيه شيئا مما تقدم كأكل الفاكهة، فاختلف في قضائه فيه، لعموم دليله، على أقوال ذكرها بقوله: «فثالثها لهم الوقف عن الحظر والإباحة» أي لا يدري أنه محظور أو مباح، مع أنه لا يخلو عن واحد منهما، لأنه إما ممنوع منه فمحظور، أو لا، فمباح، وهما القولان المطويان:
Shafi 19
دليل الحظر أن الفعل تصرف في ملك الله بغير إذنه، إذ العالم أعيانه ومنافعه ملك له تعالى.
ودليل الإباحة أن الله تعالى خلق العبد، وما ينتفع به، فلو لم يبح له كان خلقهما عبثا، أي خاليا عن الحكمة. ووجه الوقف عنهما تعارض دليلهما. وأشار بقوله «لهم» أي للمعتزلة إلى ما نقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني،
المحشي: قوله: «لعموم دليله» متعلق ب «قضائه» لا ب «اختلف» بقرينة قوله قبل: «فإن لم يقض العقل في بعض منها لخصوصه».
قوله: «دليل الحظر» إلى آخره، إنما لم يتعرض لإبطال أدلة الأقوال الثلاثة، على عادته، في نظيرها للعلم به مما مر له، فإنه ذكر احتجاج الأئمة على انتفاء الحكم قبل البعثة، بانتفاء لازمه حينئذ بنص القرآن، فاقتضى ذلك بطلان دليلي الحظر والإباحة، اللازم منه بطلان دليل الوقف، وهو التعارض بينهما لانتفائه حينئذ .
الشارح: من أن قول بعض فقهائنا، أي كابن أبي هريرة بالحظر، وبعضهم بالإباحة في الأفعال قبل الشرع، إنما هو لغفلتهم عن تشعب ذلك عن أصول المعتزلة، للعلم بأنهم ما اتبعوا مقاصدهم، وأن قول بعض أئمتنا، أي كالأشعري فيها بالوقف مراده به نفي الحكم فيها، أي كما تقدم.
المحشي: قوله: «للعلم بأنهم ما اتبعوا مقاصدهم» تعليل لقوله «إنما هو لغفلتهم عن تشعب ذلك عن أصول المعتزلة».
قوله: «وأن قول بعض أئمتنا» معطوف على «أن قول بعض فقهائنا».
قوله: «كما تقدم» أي في الكلام على قول المحشي: «ولا حكم قبل الشرع، بل الأمر موقوف إلى وروده».
حكم تكليف الغافل والملجأ
صاحب المتن: والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ
الشارح: «والصواب امتناع تكليف والملجأ» أما الأول وهو من لا يدري، كالنائم والساهي، فلأن مقتضى ...
المحشي: قوله: «والصواب امتناع تكليف الغافل» أي استحالته عقلا. ولم يستثن منه ما استثناه بعضهم، من تكليف العبد بمعرفة الله مع غفلته عنه، وإلا لزم تحصيل الحاصل، وهو محال، لأنه مردود، بأن الحاصل المعرفة الإجمالية، والمكلف به المعرفة التفصيلية، وبأن شرط التكليف إنما هو فهم المكلف له، بأن يفهم الخطاب قدر ما يتوقف عليه الامتثال، لا بأن يصدق بتكليفه، وإلا لزم الدور، وعدم تكليف الكفار، وهو هنا قد فهم ذلك، وإن لم يصدق به. وشمل كل من الغافل وتفسيره ب «من لا يدري» السكران تعديا، فيقتضي أنه غير مكلف، وهو كذلك كما جزم به النووي كغيره.
الشارح: التكليف بالشيء الإتيان به امتثالا، وذلك يتوقف على العلم بالتكليف به، والغافل لا يعلم ذلك، فيمتنع تكليفه، وإن وجب عليه بعد يقظته ضمان ما أتلفه من المال، وقضاء ما فاته من الصلاة في زمان غفلته، لوجود سببهما.
المحشي: ونقله عن أصحابنا وغيرهم من الأصوليين، وما نقل عن نص الشافعي من أنه مكلف، ممنوع وإنما هو من تصرف الناقل له بحسب ما فهمه، وما نقل عن غيره من ذلك مؤول، بأنه مكلف حكما، لجريان أحكام المكلفين عليه، وليس هو من قبيل التكليف، لعدم فهمه ، بل هو من قبيل ربط الأحكام بالأسباب، تغليظا عليه، لتسببه في إزالة عقله بمحرم قصدا. وعبر كغيره بالتكليف مع قصوره على الواجب والحرام، لأنه الأصل، كما مرت الإشارة إليه في تعريف الحكم، ولو عبروا بدله بتعلق خطاب غير وضع لم يحتاجوا إلى اعتذاره. قوله: «امتثالا» هو افتعال من امتثل أمره إذا احتذاه أي اقتدى به. قاله الجوهري.
الشارح: أما الثاني وهو من يدري، ولا مندوحة له عما ألجئ إليه، كالملقى من شاهق على شخص يقتله، لا مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له، فامتناع تكليفه بالملجأ إليه، أو بنقيضه، لعدم قدرته على ذلك، لأن الملجأ إليه واجب الوقوع، ونقيضه ممتنع الوقوع، ولا قدرة على واحد من الواجب والممتنع.
وقيل بجواز تكليف الغافل والملجأ، بناءا على جواز التكليف بما لا يطاق، كحمل الواحد الصخرة العظيمة.
Shafi 20
ورد: بأن الفائدة في التكليف بما لا يطاق من الاختبار، هل يأخذ في المقدمات، منتفية في تكليف الغافل والملجأ. وإلى حكاية هذا ورده، أشار المصنف بتعبيره بالصواب.
المحشي: قوله: «ولا مندوحة» أي سعة يقال لي عن هذا الأمر مندوحة، ومنتدح أي سعة. قاله الجوهري. قوله: «ولا قدرة على واحد من الواجب والممتنع» أي لانتفاء لازمهما من التمكن من الفعل والترك، لأنها صفة بها يتمكن منهما، والتمكن منهما منتف في واجب الوقوع وممتنعه. قوله: «وقيل بجواز تكليف الغافل والملجأ، بناء على جواز التكليف بما لا يطاق» عبر كثير عن الأول بالتكليف المحال، وعن الثاني بالتكليف بالمحال، والفرق بينهما أن الخلل في الأول في المأمور، وفي الثاني في المأمور به. قوله: «ورد» إلى آخره، فيه كلام يأتي في مسألة يجوز التكليف بالمحال.
حكم تكليف المكره
صاحب المتن: وكذا المكره، على الصحيح، ولو على القتل،
الشارح: «وكذا المكره» وهو من لا مندوحة له عما أكره عليه، إلا بالصبر على ما أكره به، يمتنع تكليفه بالمكره عليه أو بنقيضه «على الصحيح»، لعدم قدرته على امتثال ذلك، فإن الفعل للإكراه لا يحصل به الامتثال، ولا يمكن الإتيان معه بنقيضه. «ولو» كان مكرها «على القتل» لمكافئه.
المحشي: قوله: «يمتنع تكليفه» أي عقلا. قوله: «أو بنقيضه على الصحيح» لا يعارضه حكاية إمام الحرمين وغيره الإجماع على تكليف المكره بنقيض القتل في صورته، لأنه محمول على التكليف به، من حيث الإيثار، لا من حيث الإكراه، وهو بمعنى ما أجاب به المصنف بعد بقوله: «وإثم القاتل لإيثاره نفسه». قوله: «معه» أي مع الفعل الصادر للإكراه. قوله: «لمكافئه» أي أو لغيره المحترم المفهوم بالأولى، لأنه إذا امتنع التكليف في المكافئ الذي يجب بقتله القود، ففي غيره أولى.
صاحب المتن: وإثم القاتل لإيثاره نفسه
الشارح: فإنه يمتنع تكليفه حال القتل للإكراه بتركه، لعدم قدرته عليه، «وإثم القاتل» الذي هو مجمع عليه «لإيثاره نفسه» بالبقاء على مكافئه الذي خيره بينهما المكره بقوله: اقتل هذا وإلا قتلتك، فيأثم بالقتل من جهة الإيثار، دون الإكراه. قيل يجوز تكليف المكره بما أكره عليه، أو بنقيضه، لقدرته على امتثال ذلك، بأن يأتي بالمكره عليه لداعي الشرع، كمن أكره على أداء الزكاة، فنواها عند أخذها منه. أو بنقيضه، صابرا على ما أكره به، وإن لم يكلفه الشارع الصبر عليه، كمن أكره على شرب الخمر، فامتنع منه صابرا على العقوبة. والقول الأول للمعتزلة.
المحشي: قوله: «للإكراه» صلة «القتل» واللام تعليلية. وقوله «بتركه» صلة «تكليفه». وقوله «عليه» أي على تركه.
قوله: «على مكافئه» أي على بقائه. قوله: «الذي خيره» أي القاتل صفة للبقاءين من المذكور والمقدر، بدليل إتيانه بالعائد مثنى في قوله: «بينهما» وصح وصف غير المفرد به، لأنه قد يطلق عليه، لأمور ذكرها الزمخشري، وجعل منه قوله تعالى: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) البقرة: 17 وقوله: (وخضتم كالذي خاضوا) التوبة: 69 على أحد الأوجه، ومنه.
الشارح: والثاني للأشاعرة، ورجع إليه المصنف آخرا، ومن توجيههما يعلم أنه لا خلاف بينهما، وأن التحقيق مع الأول، فليتأمل.
المحشي: قول الشاعر:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
هم القوم كل القوم يا أم خالد
Shafi 21
قوله: «ورجع إليه المصنف آخرا» أي في كتاب «الأشباه والنظائر»، فقال: «والقول الفصل أن الإكراه لا ينافي التكليف». قوله: «ومن توجيههما يعلم أنه لا خلاف بين الفريقين وأن التحقيق مع الأول» ظاهر في نفي الخلاف، وأما «إن التحقيق مع الأول» فكأنه نظر فيه إلى رفع الحرج عن المكره، لكن هذا إنما يناسب وقوع التكليف بذلك، لا جوازه به فالتحقيق مع الثاني لا مع الأول، فيجوز التكليف بذلك، لكنه لم يقع لخبر «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
وما نقله الزركشي عن مقتضى كلام الغزالي والقرطبي أن محل الخلاف إذا وافق داعية الإكراه داعية الشرع، كأن أكره على قتل حية أو كافر، أما إذا خالفها، كأن أكره على قتل مسلم، أو شرب خمر، فلا خلاف في جواز التكليف به، وفيه نظر.
التكليف بالمعدوم
صاحب المتن: ويتعلق الأمر بالمعدوم، تعلقا معنويا، خلافا للمعتزلة،
الشارح: «ويتعلق الأمر بالمعدوم تعلق معنويا» بمعنى أنه إذا وجد بشروط التكليف يكون مأمورا بذلك الأمر النفسي الأزلي، لا تعلقا تنجيزيا، بأن يكون حالة عدمه مأمورا، «خلافا للمعتزلة» في نفيهم التعلق المعنوي أيضا، لنفيهم الكلام النفسي والنهي وغيره، كالأمر، وسيأتي تنوع الكلام في الأزل على الأصح إلى الأمر وغيره.
المحشي: قوله: «بمعنى أنه إذا وجد» إلى آخره، يعني أن المعدوم الذي علم الله أنه سيوجد بشروط التكليف طلب منه في الأزل، ما يفهمه ويفعله إذا وجد بتلك الشروط، فإذا وجد بها تعلق به التعلق التنجيزي بذلك الطلب الأزلي، من غير تجديد طلب آخر.
بقوله «وسيأتي تنوع الكلام في الأزل» إلى آخره، على أن تسمية الكلام بالأمر في قولهم: «يتعلق الأمر بالمعدوم» إنما يأتي على الأصح.
المحشي: من أن الكلام يتنوع في الأزل إلى أمر ونهي، لا على مقابله، وإن كنا نحكم على المعدوم، إذ لا يلزم من الحكم عليه تسمية الكلام أمرا ونهيا. قوله: «في نفيهم التعلق المعنوي أيضا» أي كما نفوا التعلق التنجيزي.
الأحكام التكليفية
صاحب المتن: فإن اقتضى الخطاب الفعل اقتضاء جازما، فإيجاب، أو غير جازم، فندب، أو الترك جازما، فتحريم، أو غير جازم بنهي مخصوص.
الشارح: «فإن اقتضى الخطاب» أي طلب كلام الله النفسي «الفعل» من المكلف لشيء «اقتضاء جازما» بأن لم يجوز تركه «فإيجاب» أي فهذا الخطاب يسمى إيجابا. «أو» اقتضاء «غير جازم» بأن جوز تركه، «فندب أو» اقتضى «الترك» لشيء اقتضاء «جازما» بأن لم يجوز فعله «فتحريم أو» اقتضاء.
المحشي: قوله: «لشيء» صلة «الفعل»، وقول المصنف «فإيجاب» أنسب من قول من قال: «فوجوب»، ومن قول من قال «فواجب»، لأن الإيجاب هو الحكم، والوجوب أثره، والواجب متعلقه.
وقوله: «فتحريم» أنسب من قول من قال: «فحرمة»، ومن قول من قال: «فحرام» لما عرف، وإن كان التعبير بكل منها صحيحا، إذ الحكم الذي هو خطاب الله إذا نسب إلى الحاكم سمي إيجابا، أو تحريما، أو إلى ما فيه الحكم، وهو الفعل، سمي وجوبا، أو واجبا، أو حرمة، أو حراما، فالإيجاب والوجوب مثلا، متحدان بالذات، مختلفان بالاعتبار.
الشارح: «غير جازم بنهي مخصوص» بالشيء كالنهي في حديث الصحيحين: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»، وفي حديث ابن ماجه وغيره: «في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين»؟
المحشي: ويأتي مثل ذلك في الندب والكراهة والإباحة، فيمن عبر بها، ومن عبر بالمندوب والمكره والمباح.
قوله: «كالنهي في حديث الصحيحين» إلى آخره مثل بحديثين تنبيها على أنه لا فرق في النهي بين اقترانه بعلة حكمه وعدم اقترانه بها.
صاحب المتن: فكراهة، أو بغير مخصوص، فخلاف أولى.
Shafi 22