وإن هذا لينقلنا إلى أدب سياسي جياش بالعاطفة، أنشأه قادة الحزب الوطني في جريدتهم اللواء: مصطفى كامل، محمد فريد، عبد العزيز جاويش.
أما مصطفى كامل (1874-1908م) فهو - كما قال عنه لطفي السيد، برغم ما كان بين الرجلين من اختلاف بعيد في وجهة النظر - «كان شعاره الوطنية، ووسيلة الوطنية، وكتابته الوطنية، وحياته الوطنية، حتى لبسها ولبسته، فصار بينهما التلازم الذهني والعرفي فإذا ذكرت مصطفى كامل بخير، فإنما تطري الوطنية، وإذا قلت الوطنية فإن أول ما يتمثل في خيالك شخص مصطفى كامل ... كأنما هو والوطنية شيء واحد.» يكفينا منه هنا مثل واحد، نقبسه من خطبته الكبرى في الإسكندرية (1907م):
تقولون يا أعداء مصر إننا لو أفلحنا لما نلنا هذا الاستقلال إلا بعد حين طويل، فنجيبكم أنا لو سلمنا بقولكم لما جاز لنا أن نتأخر لحظة واحدة عن العمل؛ لأننا لا نعمل لأنفسنا، بل نعمل لوطننا، وهو باق ونحن زائلون، وما قيمة السنين والأيام في حياة مصر، وهي التي شهدت مولد الأمم كلها، وابتكرت المدنية والحضارة للنوع الإنساني كله؟ إن العامل الواثق من النجاح يرى النجاح أمامه كأنه أمر واقع، ونحن نرى من الآن هذا الاستقلال المصري، ونبتهج به وندعو له كأنه حقيقة ثابتة، وسيكون كذلك لا محالة ...
إننا وجهنا قلوبنا ونفوسنا وقوانا وأعمارنا إلى أشرف غاية اتجهت إليها الأمم في ماضي البلاد وحاضرها، وأعلى مطلب ترمي إليه في مستقبلها، فلا الدسائس تخيفنا، ولا التهديدات تقف في طريقنا، ولا الشتائم تؤثر فينا، ولا الخيانات تزعجنا، ولا الموت نفسه يحول بيننا وبين هذه الغاية التي تصغر بجانبها كل غاية ...
بلادي ... بلادي ... لك حبي وفؤادي، لك حياتي ووجودي، لك دمي ونفسي، لك عقلي ولساني، لك لبي وجناني، فأنت أنت الحياة، ولا حياة إلا بك يا مصر ...
هل خلق الله وطنا أعلى مقاما، وأسمى شأنا، وأجمل طبيعة، وأجل آثارا، وأغنى تربة، وأصفى سماء، وأعذب ماء، وأدعى للحب والشغف من هذا الوطن العزيز؟ ... إني لو لم أولد مصريا لوددت أن أكون مصريا.
ذلك قبس من تلك الخطبة السياسية الوطنية الرائعة، وهي التي نظم بعدها علي الغاياتي (صاحب ديوان «وطنيتي» الصادر سنة 1910م) قصيدة وجهها إلى مصطفى كامل، يقول فيها:
اصدع بقولك إن أردت مقالا
فالقوم جندك إن دعوت رجالا
لم تدر مصر سوى حماك تؤمه
Shafi da ba'a sani ba