واعلم أن الشعراء ما زالت على قديم الدهر وحديثه يمدحون الرئيس بعلو جده، ومساعدة الأقدار له، ومطاوعة الأفلاك والكواكب والدهر لإرادته. وأقوالهم في هذا أكثر من أن تورد وتحكى، وإن كان الأصل في إكثارهم من ذلك أن يهدوا "إلى" أسماع أعداء الممدوح وخصومه، ويوقروا في صدورهم، ويثبتوا في نفوسهم أنه منصور من السماء، وأنه محاط بالعناية الإلهية، وأن الكواكب تساعده والأفضلية والأقدار تجري على مراده، فيوقعوا الرعب منه في الصدور، والخوف في القلوب، إلى أن ينخذل من يناوئه من غير حرب ولا كيد.
وقد رُوي أن ملك الصين عرض عسكره إلى الإسكندر فاستعظمه، ورأى ما هاله، فقال: قد كنت قادرا على أن أصادمك بهذه العساكر العظيمة، لكني رأيت الأفلاك ناصرة لك، فرأيت ألا أحارب من تنصره. ثم أعطاه الطاعة، ودفع إليه الإتاوة.
٢٦- قال المصنف: فأما ما يدل على الشيء وغيره، لا على شيء وضده، فمثل قوله تعالى في قصة إبراهيم وولده: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ ١ إلى قوله: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ١ قال: فقوله فبشرناه بإسحاق يحتمل أن يكون استئنافا لذكر إسحاق بعد ذكر الغلام الحليم صاحب القصة الذي هو إسماعيل. ويحتمل أن يكون قوله وبشرناه بإسحاق بنبوته بعد البشارة بميلاده، أو يكون قوله فبشرناه بغلام حليم إشارة إلى إسحاق وهو بشرى الولادة فقط، وقوله: وبشرناه
_________
١ سورة الصافات الآيات ٩٩-١١٢.
4 / 65