الطالبية١ بمصر لم يقتصروا على أن يكون منهم خليفة ومن الأئمة العباسية خليفة، بل كانوا يدعون أن الخلافة ليست إلا لهم خاصة، دون غيرهم، وما زالت الحرب بين الفريقين قائمة، والمنهج سائمة على ذلك، ولو لم يكن إلا ما جرى في الأيام القائمة لكفى. فكيف كان القاضي الفاضل على جلالته ممن يذهب عليه هذا، ويشبه واقعتهم بواقعة الأنصار، ويورد كلام الحباب ابن المنذر ويشوه وجه رسالته الحسناء به؟ وإنما ترصع الرسالة بالوقائع والأيام المشهورة إذا كانت مطابقة للحال الحاضرة، لا إذا كانت مخالفة لها، فأما الكلام المنثور الذي أنشأه في هذا فليس من جيد قوله، وفيه مالا يجوز، وإن جاز فهو على ضعف شديد وتكلف عظيم. فمن ذلك قوله: "واذكر المنابر ما نسيته بها عن زهو أعوادها" فإن الباء في بهالا محالة متعلقة بزهو، وإلا لم يبق للكلام معنى، وحينئذ التقدير "وأذكر المنابر ما نسبته من زهو أعواد بها" وحرف الجر إذا تعلق بالمصدر صار من صلته، فلا يجوز تقديمه عليه إلا على تأويل بعيد، وهو أن يقدر مثله شيء قد دل عليه المصدر المتأخر، وهو في هذا الموضع متعذر التقدير أو مستهجن التقدير.
ومن ذلك قوله: "وسهرت لها أجفان السيوف سهر العيون عن أجفانها" فقوله سهر العيون عن أجفانها كلام بارد، لأن العيون لا تسهر عن الأجفان، وما سمعنا من نثر ولا نظم سهرت عيني عن جفني. ولا شبهة أنه أراد وسهرت لها أجفان السيوف سهر أجفان العيون، فلم يستوسق٢ له ذلك، فأتى بلفظ إما ألا يكون صحيحا أصلا، أو يحتاج في تصحيحه إلى تعب شديد، ليس تحت اللفظ من المعنى الغريب ما يساوي ذلك التعب.
_________
١ الطالبية هي الفاطمية.
٢ لم يستوسق. لم يجتمع.
4 / 55