الملكين ببابل، وأن في الأغفال المغمورين من رعايها من لو هدر١ لقرت له الشقاشق٢، ولو نطق لتجلت بشموسه المهارق٣، ولو جرد حسام قلمه لقال الملك للسيف اغرب فأنت طالق، فكيف بسدنة٤ كعبتها والحافين بشريف سدتها٥، فحول البلاغة الذين إذا ركض أحدهم في حلبة البيان أخجل البروق، وسخر بالرياح، وإذا ضرب الأعداء بصارم اللسان قد السلوقي المضاعف، حتى توقد نار الحباجب في الصفاح٦.
وهذا الكتاب وقع إليَّ في غرة ذي الحجة من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، فتصفحه، أولا أولا في ضمن الأشغال الديوانية التي أنا بصددها، وعلقت في هذا الكتاب في أثناء تصفحه على المواضع المستدركة فيه إلى نصف الشهر المذكور، فكان مجموع مطالعتي له واعتراضي عليه خمسة عشر يوما، ولم
_________
١ هدر البعير هدرا وهديرا: صوت في غير شقشقة.
٢ الشقاشق جمع شقشقة بالكسر: شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج.
٣ المهارق: جمع مهرق وهي الصحيفة.
٤ السدنة: جمع سادن وهو خادم الكعبة أو خادم بيت الصنم.
٥ السدة: باب الدار.
٦ من قول النابغة في مدح الغساسنة ووصف سيوفهم:
تقد السلوقي المضاعف نسجه ... وتوقد بالصفاح نار الحباحب
السلوقي: الدروع المنسوبة إلى سلوق على وزن صبور بلدة باليمن تنسب إليها الدروع والكلاب. الصفاح: حجارة عراض رقاق. الحباحب: ذباب يطير بالليل له شعاع كالسراج، ومنه نار الحباحب. أو نار الحباحب ما اقتدح من شرر النار في الهواء من تصادم الحجارة، وقيل كان أبو حباحب رجلا لا يوقد ناره إلا بالحطب الشخث لئلا ترى، وقيل إنها من الحبحبة وهي الشررة تسقط من الزناد.
4 / 34