فأكرمه غاية الإكرام، ونال عنده القبول التام، وعاش عنده زمانًا بعزة عظيمة، وحشمة وافرة، وجلالة تامة (١)، وهكذا الحياة لا تخلو من الكدر، والصفاء (٢).
ثم إن سلطان الروم ندم على ما فعله مع الكوراني، فأرسل إلى السلطان قايتباي يلتمس منه أن يرسل الكوراني إليه، فحكى السلطان قايتباي كتاب السلطان للكوراني وأنه يريد رجوعه إليه ثم قال له: لا تذهب إليه، فإني أكرمك فوق ما يكرمك هو، قال الشهاب الكوراني: نعم هو كذلك إلا أن بيني وبينه محبة عظيمة، كما بين الوالد، والولد، وهذا الذي جرى بيننا شئ آخر، وهو يعرف ذلك مني، ويعرف أني أميل إليه بالطبع، فإذا لم أذهب إليه يفهم أن المنع من جانبك، فيقع بينكما عداوة، فاستحسن السلطان قايتباي هذا الكلام، وأعطاه مالًا جزيلًا،
_________
(١) راجع: الشقائق النعمانية: ص/ ٥٢.
(٢) قد أشار شيخ الإسلام الكوراني إلى ما جرى له في تنقلاته في مقدمة كنابه "الدرر اللوامع" حيث ذكر السبب لتأليفه، وأنه كان يفكر في ذلك من مدة طويلة، غير أن الشواغل كانت تمنعه، فقال: "وكان يعوقني عن ذلك اشتغال البال، واضطراب الحال، إذ التقدير كان يسبرني تارة إلى الغرب، وأخرى إلى الشرق، وآونة إلى الطول، وأخرى إلى العرض، كأنما أنا مرحل، ومرتحل، موكل بفضاء الأرض أذرعه إلى أن يسر الله - وله الحمد - الحلول بأشرف بلاد الأرض المقدسة، التي هي على تقوى من الله مؤسسة".
راجع: ص/١٦٦، ١٦٧ من هذا الكتاب.
1 / 38