الرحلة السادسة: كانت من الروم إلى مصر.
وسبب ذلك: أن السلطان (١) عرض له قضاء العسكر، فقبله، ولما باشر أمر القضاء أعطى التدريس، والقضاء لأهلهما من غير عرض على السلطان، فأنكره السلطان، ولكنه استحيا منه فلم يظهره، لأنه شيخه، ومعلمه، فتشاور مع الوزراء، فأشاروا عليه أن يقول له السلطان: سمعت أن أوقاف جدي بمدينة بروسا قد اختلت، فلا بد من تداركها، فلما قال له السلطان ذلك، قال المولى الكوراني: إن أمرتني بذلك أُصلحها، فقال السلطان: هذا يقتضي زمانًا مديدًا، فقلده قضاء بروسا، مع توليه الأوقاف، فقبل الكوراني، وذهب إلى مدينة بروسا، وبعد مدة أرسل السلطان إليه واحدًا من خدامه بيده مرسوم السلطان، وضمنه أمرًا يخالف الشرع، فمزق الكتاب، وضرب الخادم، فاشأز السلطان لذلك، فعزله، ووقع بينهما منافرة، فارتحل الكوراني إلى مصر وسلطانها يومئذ الملك قايتباي (٢)،
_________
(١) المراد به محمد خان كما سيأتي في ص / ٤٩.
(٢) هو قايتباي المحمودي الأشرفي، ثم الظاهري، أبو النصر سيف الدين سلطان الديار المصرية من ملوك الجراكسة، كان من المماليك، فاشتراه الأشرف برسباي، ثم صار إلى الظاهر جقمق بالشراء فأعتقه، واستخدمه في جيشه، فترقى إلى أن وصل إلى السلطنة، وتلقب بالملك الأشرف وكانت مدته حافلة بالعظائم والحروب، وسيرته من أطول سير من سبقه من ملوك مصر الجراكسة، وتوفي سنة (٩٠١ هـ) وكانت ولادته سنة (٨٢٦ هـ) تقريبًا، وتولى السلطنة سنة (٨٧٢ هـ).
راجع: بدائع الزهور: ٢/ ٩٠ وما بعدها، والأعلام للزركلي: ٦/ ٢٤ - ٢٥، والضوء اللامع: ٦/ ٢٠١ - ٢١١، وشذرات الذهب: ٨/ ٦ - ٩، والخطط للمقريزي: ٢/ ٢٤٤.
1 / 37