211

Nazarin Kan Gabatarwar Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Nau'ikan

إن القول «بأن الوازع إنما يكون بشرع من الله يسلم له الكافة تسليم إيمان واعتقاد»، لا يستند إلى أساس صحيح؛ «لأن الوازع قد يكون بسطوة الملك، وقهر أهل الشوكة، ولو لم يكن شرع» (ص192). (2)

يتبين من ذلك أن ابن خلدون يميز تمييزا صريحا الوازع الباطني الذي ينشأ من الاعتقاد الديني، من الوازع الخارجي الذي يستند إلى سطوة الحكام وسلطتهم.

إنه يكرر هذا التمييز في عدة مواضع من المقدمة، حتى إنه يسمي كلا منهما باسم خاص؛ يسمي النوع الأول باسم «الوازع الديني»، كما يسمي النوع الثاني باسم «الوازع السلطاني والعصباني» (ص221). ويلاحظ في الوقت نفسه أن الوازع الديني وازع ذاتي، وأما الوازع السلطاني فأجنبي؛ بمعنى أن الوازع الديني يكون عند كل أحد من أفراد المجتمع - من نفسه وفي نفسه - في حين أن الوازع السلطاني يكون في خارج الفرد «أجنبيا» عنه. (3)

وزيادة على هذين النوعين من الوازع، قد لمح ابن خلدون نوعا ثالثا؛ هو الوازع الذي ينشأ «من حكم العقل»؛ لأنه كتب في فصل الإمامة والخلافة - بعد الفقرة التي نقلناها آنفا - عقب قوله: «إن الوازع قد يكون بسطوة الملك وقهر أهل الشوكة، ولو لم يكن شرع»، العبارة التالية: «ونقول: يكفي في رفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه، بحكم العقل» (ص192).

ومن البديهي أن هذه العبارة تشير إشارة صريحة إلى الوازع الذي يمكن أن يسمى «الوازع العقلي»، ومما يؤيد ذلك أن ابن خلدون يذكر الأنواع الثلاثة في عبارة واحدة، وإن لم يسمها بأسماء خاصة: «فادعاؤهم بأن ارتفاع التنازع إنما يكون بوجود الشرع هناك، ونصب الإمام هذا غير صحيح، بل كما يكون بنصب الإمام، يكون بوجود الرؤساء أهل الشوكة، أو بامتناع الناس عن التنازع والتظالم» (ص192).

يعود ابن خلدون إلى البحث في «الوازع الديني» في عدة فصول، ويتوسع في شرحه بعض التوسع، كما أنه يعود إلى البحث في الوازع السلطاني والعصباني في فصول كثيرة، ويتوسع في شرحه توسعا كبيرا، غير أنه لا يعود إلى فكرة «الوازع العقلي»، ولا يتناوله بالبحث والتفصيل بعد هذه اللمحة الواضحة والإشارة الصريحة.

3 (1)

إن أنواع الوازع السلطاني والعصباني وأشكاله المختلفة من المواضيع التي درسها ابن خلدون، وشرحها بتفصيل واف في فصول عديدة.

لعل أهم هذه الفصول - من هذه الوجهة - هو الفصل القائل «بأن سكنى البدو لا يكون إلا للقبائل أهل العصبية»؛ لأن ابن خلدون يستعرض في هذا الفصل أنواع العدوان، ويشير إلى أهم القوى الوازعة لها.

بما أنه يقسم أبناء البشر إلى صنفين أساسين؛ البدو والحضر، فإنه يدرس الوسائل الوازعة في كل من هذين الصنفين على حدة.

Shafi da ba'a sani ba