Nazarin Kan Gabatarwar Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Nau'ikan
كلمة المؤلف
توطئة
المدخل الأول: على هامش المقدمة
جولة بين التاريخ والمؤرخين
المدخل الثاني: حول مؤلف المقدمة
مؤلف المقدمة
أسرة ابن خلدون
عصر ابن خلدون
حياة ابن خلدون
آثار ابن خلدون
Shafi da ba'a sani ba
القسم الأول: نظرات وملاحظات عامة
أبحاث المقدمة
تاريخ كتابة المقدمة
طرافة المقدمة وتأثيرها
لغة المقدمة
كلمة العرب
القسم الثاني: مكانة ابن خلدون في تاريخ فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع
ابن خلدون وفلسفة التاريخ
ابن خلدون وفيكو
ابن خلدون ومونتسكيو
Shafi da ba'a sani ba
ابن خلدون وعلم الاجتماع
المذاهب الأساسية في علم الاجتماع
مقدمة ابن خلدون في نظر علماء الغرب
القسم الثالث: آراء ابن خلدون ونظرياته
نظرة عامة إلى أساليب عرض الآراء
موضوع التاريخ ومهمة المؤرخ
طبيعة الاجتماع ومنشأ الحكم
القسر الاجتماعي والتقليد
التطور التدريجي في الطبيعة والمجتمعات
طبائع الأمم وسجاياها
Shafi da ba'a sani ba
نظرية العصبية
الدولة وتطوراتها
الحروب
النفس الإنسانية
التربية والتعليم
التفكير والإيمان
الخط والكتابة
المدن والأمصار
الحياة الاقتصادية
التشبيهات المادية
Shafi da ba'a sani ba
تكملة
حول نسب ابن خلدون
نقد كتاب فلسفة ابن خلدون الاجتماعية
أخطاء في نقل وتلخيص الآراء
أقسى الأحكام على مقدمة ابن خلدون
حول ابن خلدون وأوكوست كونت
أسلوب المقدمة ومفرداتها اللغوية
اكتشاف ابن خلدون في البلاد الأوروبية
تأثير ابن خلدون في مؤرخي الأتراك ومفكريهم
نقد كتاب البروفسور غاستون بوتول
Shafi da ba'a sani ba
حول فقرة في مقدمة ابن خلدون
ما كتبه العرب المعاصرون عن ابن خلدون
رجاء هام من باحثي المخطوطات
تصنيف المباحث حسب تواريخ نشرها
كلمة المؤلف
توطئة
المدخل الأول: على هامش المقدمة
جولة بين التاريخ والمؤرخين
المدخل الثاني: حول مؤلف المقدمة
مؤلف المقدمة
Shafi da ba'a sani ba
أسرة ابن خلدون
عصر ابن خلدون
حياة ابن خلدون
آثار ابن خلدون
القسم الأول: نظرات وملاحظات عامة
أبحاث المقدمة
تاريخ كتابة المقدمة
طرافة المقدمة وتأثيرها
لغة المقدمة
كلمة العرب
Shafi da ba'a sani ba
القسم الثاني: مكانة ابن خلدون في تاريخ فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع
ابن خلدون وفلسفة التاريخ
ابن خلدون وفيكو
ابن خلدون ومونتسكيو
ابن خلدون وعلم الاجتماع
المذاهب الأساسية في علم الاجتماع
مقدمة ابن خلدون في نظر علماء الغرب
القسم الثالث: آراء ابن خلدون ونظرياته
نظرة عامة إلى أساليب عرض الآراء
موضوع التاريخ ومهمة المؤرخ
Shafi da ba'a sani ba
طبيعة الاجتماع ومنشأ الحكم
القسر الاجتماعي والتقليد
التطور التدريجي في الطبيعة والمجتمعات
طبائع الأمم وسجاياها
نظرية العصبية
الدولة وتطوراتها
الحروب
النفس الإنسانية
التربية والتعليم
التفكير والإيمان
Shafi da ba'a sani ba
الخط والكتابة
المدن والأمصار
الحياة الاقتصادية
التشبيهات المادية
تكملة
حول نسب ابن خلدون
نقد كتاب فلسفة ابن خلدون الاجتماعية
أخطاء في نقل وتلخيص الآراء
أقسى الأحكام على مقدمة ابن خلدون
حول ابن خلدون وأوكوست كونت
Shafi da ba'a sani ba
أسلوب المقدمة ومفرداتها اللغوية
اكتشاف ابن خلدون في البلاد الأوروبية
تأثير ابن خلدون في مؤرخي الأتراك ومفكريهم
نقد كتاب البروفسور غاستون بوتول
حول فقرة في مقدمة ابن خلدون
ما كتبه العرب المعاصرون عن ابن خلدون
رجاء هام من باحثي المخطوطات
تصنيف المباحث حسب تواريخ نشرها
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Shafi da ba'a sani ba
تأليف
ساطع الحصري
كلمة المؤلف
هذا الكتاب يضم بين دفتيه جميع دراساتي عن مقدمة ابن خلدون؛ ما كان نشر منها سنة 1943، وما نشر سنة 1944، وما لم يسبق نشره قبلا.
عندما نشرت الجزء الأول من هذه الدراسات، كنت صدرته بكلمة تشير إلى ظروفها وتوضح أغراضها، رأيت من الضروري أن أعيد نشرها عينا في مستهل هذا الكتاب أيضا:
إن كتابة دراسة مفصلة عن مقدمة ابن خلدون كانت من أعز الأماني التي لم أنقطع عن التفكير بها، وعن العمل لإعداد وسائلها منذ مدة غير يسيرة.
إنها كانت من جملة المشاريع الفكرية التي وضعتها لنفسي، بغية إنجازها في الوقت الذي أتخلص فيه من أعباء الأعمال الرسمية، وأتفرغ إلى الدرس والتأليف في المسائل التربوية والاجتماعية.
إن ظروف السنة الأخيرة قد رفعت عن عاتقي أعباء الأعمال الرسمية، فمنحتني الوقت اللازم لتحقيق هذا المشروع، غير أنها - في الوقت نفسه - أبعدتني عن كتبي وأوراقي، فحرمتني من وسائل تحقيق أمنيتي بالإحاطة التي كنت أستعد لها، والدقة التي كنت أتوخاها.
ومع هذا، فقد رأيت أن أشغل أوقاتي بكتابة بعض الدراسات عن مقدمة ابن خلدون، بقدر ما تسمح لي الذاكرة من جهة، وبقدر ما تساعدني المراجع التي أستطيع الحصول عليها في ظروفي الحالية من جهة أخرى، آملا أن تكون هذه الدراسات ممهدة للدراسة التامة التي لا أزال أمني النفس بها.
فمن أجل ذلك أقدمت على كتابة هذه الدراسات على شكل مقالات متفرقة.
Shafi da ba'a sani ba
ولما تجمعت لدي هذه الكمية منها رأيت أن أنشرها؛ لاعتقادي بأنها ستكون مفيدة في حالتها الحاضرة أيضا.
وإذا سمحت لي الظروف - في المستقبل - لاستئناف العمل فيها، وإدماجها في الدراسة التامة التي ذكرتها؛ فسأكون مغتبطا بإكمال المشروع الذي كنت قد وضعت خططه منذ سنين عديدة.
وإلا فسأكون قد قدمت «بعض النماذج» و«بعض الخطط» لدراسات علمية عن مقدمة ابن خلدون، يستطيع أن يستفيد منها كل من يقدم على مطالعة المقدمة بإمعان، كما يستطيع أن ينسج على منوالها ويقوم على إتمامها كل من يريد التوسع والتعمق في دراسة هذه المقدمة الخالدة دراسة علمية شاملة.
وحسبي هذا خدمة لذكرى مؤلفها العظيم.
بيروت، 20 كانون الأول 1942
إن الظروف التي تلت كتابة هذه الكلمة لم تسمح لي بالإقدام على الدراسة التامة التي كنت أمني النفس بها، ولكنها ساعدتني على مواصلة الأبحاث وكتابة الدراسات، ولو بصورة متفرقة ومتقطعة:
خلال سنة 1943 اشتغلت بالإشراف على طبع الجزء الأول من الدراسات من ناحية، وبكتابة بعض الدراسات الجديدة من ناحية أخرى.
وفي سنة 1944 قدمت إلى المطبعة الدراسات التي كونت الجزء الثاني، وشرعت في كتابة دراسات أخرى؛ بغية إعداد الجزء الثالث منها.
ولكن قبل الانتهاء من ذلك وجدت نفسي أمام ظروف وواجبات جديدة، ألقت على عاتقي سلسلة مهام - أولا في سوريا ثم في مصر - استأثرت بكل جهودي وأوقاتي، فأبعدتني عن مقدمة ابن خلدون، ولم تسمح لي بالعودة إلى دراستها إلا منذ أوائل السنة الماضية.
ولما كانت نسخ الجزأين المطبوعين قبلا قد نفدت منذ مدة طويلة، رأيت أن أضم تلك الدراسات إلى دراساتي الجديدة في كتاب واحد، مع إعادة النظر في ترتيبها وتبويبها حسب ما يقتضيه هذا الضم والتوحيد.
Shafi da ba'a sani ba
وفي ختام الكلمة أود أن أصرح بأن مجموعة الدراسات التي أقدمها في هذا الكتاب لا تزال في حالة مقالات مستقلة، تناولت كل واحدة منها دراسة المقدمة من ناحية خاصة، وهي لا تزال في حالة خطط ونماذج لدراسات علمية عن مقدمة ابن خلدون، «يستطيع أن يستفيد منها كل من يقدم على دراسة المقدمة بإمعان، كما يستطيع أن ينسج على منوالها ويقدم على إتمامها كل من يريد التوسع والتعمق في دراسة هذه المقدمة الخالدة دراسة علمية شاملة»، كما قلت ذلك عند نشر المجموعة الأولى من هذه الدراسات.
أبو خلدون
ساطع الحصري
القاهرة، 3 تشرين الثاني 1952
اللوحة 1: ابن خلدون كما تخيله جبران خليل جبران.
اللوحة 2: ابن خلدون كما تخيله رسام آخر.
الدار التي ولد فيها ابن خلدون.
تشغلها الآن المدرسة الإدارية.
اللوحة 3.
المسيد الذي درس فيه ابن خلدون عندما كان صغيرا.
Shafi da ba'a sani ba
يعرف باسم مسيد القبة.
اللوحة 4.
توطئة
1
دراسات عن مقدمة ابن خلدون!
أسطر هذه الكلمات وكأني أسمع همس معترض يعترض علي قائلا:
دراسات عن مقدمة ابن خلدون؟ ولماذا اخترت هذا الموضوع المبتذل المعاد؟ إن مقدمة ابن خلدون منتشرة بين أيدي جميع المتنورين من الناطقين بالضاد، وقد كتب الدكتور طه حسين أطروحة عن «فلسفة ابن خلدون الاجتماعية»، كما نشر الأستاذ عبد الله عنان كتابا عن «ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري»، وقد نشر عدد غير قليل من المفكرين والكتاب عددا لا بأس به من البحوث والفصول والمقالات عن ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون في مختلف الكتب والجرائد والمجلات. فلا نتعدى الحقيقة إذا قلنا: ما من مفكر ولا مؤرخ عربي حظي من كثرة الذكر وذيوع الصيت بما حظي به ابن خلدون، فما الفائدة من العودة إلى هذا الموضوع بعد جميع هذه الكتابات والنشرات؟ ألم يكن من الأجدر بك ومن الأوفق لمصلحة قرائك أن تنتخب موضوعا آخر أكثر جدة وطرافة من هذا الموضوع؟
غير أني لم أسلم بوجاهة مثل هذه الاعتراضات والملاحظات؛ لأنني أعتقد بأن الطرافة في الدراسات لا تتأتى من جدة الموضوع وحده، بل قد تتولد من طرافة الطريقة والاتجاه أيضا. وأنا مع احترامي للكتب والمقالات والدراسات التي نشرت بالعربية عن ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون أرى أنها ظلت بعيدة عن استيفاء حاجة البحث في هذا الموضوع الخصب الهام من نواحيه المختلفة، فأعتقد بأن هناك حاجة ماسة إلى إكمال تلك الأبحاث والدراسات وإتمامها، كما أن هناك ضرورة قصوى لإعادة النظر واستئناف البحث في معظم تلك الدراسات بطرق وأساليب أخرى وفق وجهات نظر جديدة.
ومما يظهر هذه الحاجة بجلاء أعظم، ويبرهن على هذه الضرورة بوضوح أتم؛ أن الأبحاث والدراسات المنشورة عن ابن خلدون باللغة العربية قليلة وضئيلة جدا بالنسبة إلى ما نشر عنه في اللغات الأخرى، ولا سيما في اللغات الأوروبية، وهناك عدد غير قليل من الدراسات العلمية القيمة عن ابن خلدون وآرائه المختلفة لا تزال غير منقولة إلى العربية.
ومن الغريب أن أهم الدراسات التي كتبت بأقلام بعض الشبان العرب أيضا، ظلت خارجة عن نطاق «المطبوعات العربية» إلى الآن؛ فقد نشر الدكتور كامل عياد - من الشام - أطروحة باللغة الألمانية سنة 1930 عن «نظرية ابن خلدون في التاريخ والاجتماع»، كما نشر الدكتور صبحي المحمصاني - من بيروت - أطروحة باللغة الفرنسية سنة 1932 عن «آراء ابن خلدون الاقتصادية»، وكلتا الأطروحتين بقيتا غير مترجمتين إلى العربية، بالرغم من مرور اثنتي عشرة سنة على انتشار الأولى، ومرور عشر سنوات على انتشار الثانية، فاستفادة متنوري العرب من الأطروحة الأولى لا تزال تتوقف على معرفة الألمانية، كما أن الاستفادة من الثانية لا تزال تتطلب معرفة الفرنسية.
Shafi da ba'a sani ba
وإنني أعتقد لذلك كل الاعتقاد بأن الجيل المثقف الحاضر مقصر في أداء واجباته نحو هذا المفكر العربي العظيم تقصيرا كبيرا. •••
إن هذا التقصير الكبير لا يتجلى في «ضآلة الدراسات فحسب»، بل يظهر في «رداءة الطبعات» أيضا؛ فإن جميع طبعات المقدمة التي صدرت عن مطابع القاهرة وبيروت وانتشرت في جميع أنحاء العالم العربي مشوبة بنواقص كثيرة وأغلاط فادحة.
ذلك لأن جميع هذه الطبعات منقولة عن طبعة بولاق، التي كان قد قام بأعبائها الشيخ نصر الهوريني في القاهرة قبل مدة تزيد على ثمانية عقود من السنين، والشيخ المومأ إليه كان بعيدا - بطبيعة ثقافته - عن إدراك المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها في نشر مثل هذه المؤلفات القديمة.
فجميع الطبعات الشرقية تكاد تكون خالية من الشروح والتعليقات، فإن الشروح القليلة المبعثرة فيها لو جمعت في محل واحد لما ملأت أكثر من ثلاث صفحات، زد على ذلك أن هذه الشروح قلما تخرج عن نطاق «الإيضاحات اللغوية»، فإنها لا تستهدف على الغالب شيئا غير ذكر معاني بعض الكلمات، هذا مع أن الترجمة التركية موشاة ببعض الإيضاحات المطولة، لا سيما والترجمة الفرنسية مملوءة بمئات ومئات من الشروح والتعليقات التي تحوم حول المعلومات اللغوية والأدبية والجغرافية والتاريخية الضرورية لفهم أبحاث المقدمة حق الفهم.
ومما يستلفت الأنظار في هذا الصدد أن الطبعات المتداولة مشوبة بعدد غير قليل من الأغلاط المطبعية، التي تارة تغير معنى العبارات، وطورا تجردها من كل معنى معقول، وتارة أخرى تقلب معناها رأسا على عقب.
مثلا: إن بعض الطبعات مسخت كلمة «اليقين» إلى شكل «أينين»، فابتدعت هذه العبارة الغريبة: «قال كبيرهم أفلاطون إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى أينين.» كما أنها حرفت «الحقيقة المتعقلة» وجعلتها «الحقيقة المتعلقة»، واستبدلت عبارة «يحلق فوقها» بعبارة «يلحق فوقها»، إنها مسخت «العلوم الآلية» مسخا غريبا، حولها إلى «العلوم الإلهية»، وحرفت تركيب «سن بكره» وجعلته «بين نكرة»، فجردته بذلك عن كل معنى معقول، كما حولت «عالم القردة» إلى «عالم القدرة»، فغيرت المعنى المقصود تغييرا هائلا.
1
وقد تطفلت بعض الطبعات بزيادة أداة «إلا» في جملة نافية، فقلبت معناها رأسا على عقب، وبعكس ذلك قد حذفت كلمة «ليس» من عبارة أخرى، فجردتها من كل معنى مفهوم، كما أنها أسقطت عدة كلمات من بعض العبارات، من غير أن تنتبه إلى أن ذلك قد جعل العبارة عديمة المعنى.
2
ومن الأمور الغريبة أن الطبعات المصرية والشامية ناقصة من حيث المتون والفصول أيضا: فإذا قارنا إحدى هذه الطبعات بطبعة باريس التي كان تعهدها المستشرق «كاترمير» في نفس السنة التي كان قد أتم فيها الشيخ نصر الهوريني طبعة بولاق في مصر، نجد أنه ينقص منها أحد عشر فصلا كاملا من الفصول المهمة، كما ينقص منها عدد غير قليل من الأبحاث والفقرات من الفصول المختلفة، وإذا أحصينا مجموع صفحات هذه الفصول والفقرات الناقصة نجد أنها تزيد على الستين.
Shafi da ba'a sani ba
ومن الغريب أن طبعات مقدمة ابن خلدون المنتشرة في العالم العربي ظلت على هذه الحال من النقص المعيب منذ مدة تزيد على ثلاثة أرباع القرن، ومن الأغرب أن الأبحاث والدراسات المنشورة بالعربية عن مقدمة ابن خلدون لم تنتبه إلى هذا النقص، فلم تعمل على تلافيه، ولم تلفت الأنظار إليه إلى الآن.
2
هذا وإنني أرى أن هناك قضية هامة أخرى تستحق الملاحظة والعناية أكثر من جميع الأمور التي ذكرتها آنفا:
إن الذين يطالعون مقدمة ابن خلدون يقرءونها عادة كما تقرأ الكتب الحديثة، وينتقدونها بوجه عام كما تنتقد المؤلفات العصرية، ومعظم الذين يكتبون عن المقدمة أيضا ينحون هذا المنحى نفسه، ويميلون إلى وزن الآراء الواردة فيها بموازين المكتسبات العلمية الحالية، من غير أن يلتفتوا إلى عدد القرون التي تفصل بيننا وبين تاريخ كتابة المقدمة المذكورة، في حين أن قيمة المؤلفات القديمة ومنزلة المفكرين القدماء - في تاريخ العلوم والأفكار - لا يمكن أن تقدر على هذه الطريقة.
ذلك لأن كل عالم ومفكر يشترك - بوجه عام - مع معاصريه في معظم آرائهم، فيشاطرهم أكثر أخطائهم، ولا يمتاز عليهم إلا في «بعض الآراء» التي يتوفق إلى ابتكارها، و«بعض المعلومات» التي يتوصل إلى اكتشافها.
ولهذا السبب نرى أن منزلة الباحث والمفكر في «تاريخ العلوم والأفكار» لا تتعين بملاحظة «جميع الآراء الصائبة والخاطئة» المنبثة في كتاباته ومؤلفاته المختلفة، بل تتقرر بملاحظة «الآراء المبتكرة» التي يسمو بها على معاصريه، و«الحقائق الجديدة» التي يضيفها إلى المكتسبات الفكرية البشرية، و«الخدمات التي يقوم بها» بهذه الصورة في سبيل تقدم الأفكار والعلوم، كل ذلك بقطع النظر عن الآراء الخاطئة التي يبقى فيها مشتركا مع معاصريه بطبيعة الحال.
إن عدم ملاحظة هذا الدستور الأساسي في دراسة المفكرين والعلماء القدماء يحول دون تقدير منزلتهم العلمية حق قدرها، ومحاذير ذلك تكتسب خطورة خاصة عندما يعود الأمر إلى عظماء المفكرين الذين يكونون في منزلة ابن خلدون ، وإلى أمهات المؤلفات التي تكون على شاكلة مقدمته المشهورة؛ لأن مقدمة ابن خلدون من المؤلفات الجامعة التي تتطرق إلى عدد كبير من المسائل والمواضيع؛ إنها تتناول بالبحث والنظر مسائل كثيرة ومتنوعة جدا، من الديانة إلى التجارة، من النبوة إلى الطبابة، من الرؤيا إلى التربية، من السياسة إلى النجامة، من أوزان الشعر إلى عمران المدن، من مبادئ الموسيقى إلى أساليب الحرب، من موارد الدولة إلى أصناف العلوم. وخلاصة القول: إن كل ما له علاقة بالاجتماع الإنساني والعمران البشري يأخذ نصيبا من بحوث المقدمة، فلا ينتظر من مؤلفها أن يكون مبتكرا ومصيبا في جميع هذه المواضيع المتنوعة، بل لا بد له من أن يكون ناقلا لآراء معاصريه في معظم تلك المسائل والمواضيع.
فإذا قرأ القارئ مقدمة ابن خلدون من غير أن يراعي الدستور الآنف الذكر، قد يعود بفكرة خاطئة تماما عنها وعن مؤلفها؛ لأنه قد يبقى تحت تأثير مختلف الأخطاء المنبثة في صحائف الكتاب، والفكرة السيئة التي تستولي على ذهنه من جراء ذلك قد تؤثر على محاكمته، فتحول دون التفاته إلى الآراء القيمة المنتشرة في سائر أقسام الكتاب.
إن أصول البحوث العلمية تتطلب من كل باحث يقدم على مطالعة كتاب قديم أن يتأمل في كل موضوع من مواضيعه، وكل مسألة من مسائله على حدة، وأن يعرف حق المعرفة بأن «خطورة الأخطاء» التي تلقى في الكتب القديمة لا يجوز أن توزن بالموازين الفكرية العصرية، بل يجب أن تقدر بموازين تاريخية خاصة. ولا حاجة للبيان، إن هذه الموازين الخاصة لا يمكن أن تتقرر إلا بتتبع «تطورات الفكر البشري» بوجه عام.
هذا مبدأ هام يجب ألا نهمله أبدا، عندما نقرأ وندرس مقدمة ابن خلدون يجب علينا ألا ننسى أنه من رجال القرن الرابع عشر للميلاد، كما يجب علينا أن نرجع إلى تاريخ العلوم والأفكار عندما نقرأ كل فصل من فصوله، ونتأمل في كل رأي من آرائه، ونستعرض ما كان يقول به المفكرون في هذا الصدد في العصر الذي عاش فيه، وفي العصور التي أتت بعده .
Shafi da ba'a sani ba
3
إنني لم أقل بهذا المبدأ، ولم أضع هذا الدستور تعصبا وتحزبا لابن خلدون، بل قلت بهذا المبدأ لأنني وجدته سائدا في تاريخ العلوم والعلماء، وسردت هذا الدستور لأنني رأيته رائد القوم على الدوام.
وأقول بلا تردد: لولا ذلك لما استطاع أحد من المفكرين والعلماء السالفين أن يحتفظ بمكانته العلمية والفكرية في هذا العصر، بين تطور العلوم الهائل وتقدمها المستمر.
هذا أرسطو، الذي يعد أكبر المفكرين الذين عرفتهم البشرية، والذي يلقب لذلك بلقب «المعلم الأول»، هذا أرسطو نفسه قد وقع في أخطاء وأغلاط كثيرة وكبيرة جدا في مؤلفاته المختلفة، فإذا أراد أحدنا أن يحصيها ويجمعها لاستطاع أن يؤلف منها مجلدا ضخما.
إن بعض هذه الأخطاء والأغلاط كانت جوهرية خطيرة تتعلق بأسس العلوم نفسها:
كان أرسطو يقول مثلا في ميدان علوم الطبيعة بنظرية العناصر الأربعة، ويعتبر كلا من الماء والهواء والتراب والنار عنصرا من عناصر الأشياء، ومن المعلوم أن علمي الفيزياء والكيمياء قد قاما على إنكار هذه النظرية من أساسها.
وكان يقول في ساحة علم الحياة بنظرية «التناسل التلقائي»، ويعتقد بأن الديدان والحشرات تتولد من تلقاء نفسها من الطين والجيف، ومن المعلوم أن علم الحياة الحالي قد برهن على بطلان هذه النظرية برهنة قاطعة.
وكان أرسطو يقول في ساحة الاجتماعيات بضرورة الرق، ويعتقد بأن الاسترقاق من ضرورات الحياة الاجتماعية، وكان يعلل اعتقاده هذا بقوله: «إن بعض الناس خلقوا ليكونوا أسيادا، وبعضهم خلقوا ليكونوا عبيدا.» حتى إنه كان يرى أن «الغزو للحصول على العبيد» مشروع بقدر «الصيد لاقتناص الحيوانات». ومن المعلوم أن تطورات الحياة الاجتماعية سارت دائما على أساس إنكار هذا الرأي بوجه حاسم بات.
وزيادة على ذلك، فإن بعض الآراء التي قال بها أرسطو كانت من نوع السفسطات والمغالطات، فقد قال - مثلا: «إن الخط المستقيم لا يمكن أن يكون كاملا بوجه من الوجوه؛ لأن هذا الخط المستقيم إذا كان غير متناه كان غير كامل؛ إذ إن الكمال في الخط لا يتم إلا عندما يكون له شكل مرسوم بوضوح، وأما إذا كان الخط المستقيم المذكور متناهيا فلا يكون كاملا أيضا؛ لأنه يبقي في هذه الحالة ما هو خارج عنه بطبيعة الأمر ...» ومن الواضح أن كل ذلك من لغو الكلام، وهو يدل على المغالطة في البرهنة والبيان.
فإذا كان أرسطو لا يزال يتمتع بمنزلة ممتازة ومكانة خارقة في تاريخ العلوم والأفكار، فما ذلك إلا لأن التاريخ المذكور يراعي على الدوام المبدأ الذي ذكرته آنفا.
Shafi da ba'a sani ba
وما قلته عن أرسطو في هذا الصدد يصح في غيره من العلماء والمفكرين أيضا؛ فليس بين هؤلاء - من سقراط إلى كونت، ومن بقراط إلى فرويد - من يعد عظيما لأنه لم يخطئ في آرائه وكتاباته قط، بل إنهم يعدون من العظماء على رغم الأخطاء التي وقعوا فيها والأغلاط التي قالوا بها.
4
ومما تجب ملاحظته في هذا الصدد أن موقفنا - نحن الناطقين بالضاد - تجاه مقدمة ابن خلدون، يختلف بطبيعته عن مواقفنا تجاه مؤلفات أمثاله من الغربيين؛ ذلك لأننا لا نطلع - عادة - على آراء القدماء من الغربيين إلا من خلال بعض المقتطفات والدراسات، فنتوهم بأن كل ما قاله هؤلاء وكتبوه كان على ذلك الطراز، مع أن تلك المقتطفات والدراسات تستهدف - بوجه عام - إظهار منزلتهم العلمية، فلا تحتوي في حقيقة الأمر إلا على الجوهر الهام، والزبدة المنتقاة من آرائهم وكتاباتهم الأصلية، بينما نحن نطلع على ما قاله ابن خلدون من قراءة مقدمته مباشرة، ونحيط علما بكل ما جاء فيها من غث وسمين. فالمقارنة التي تحدث في أذهاننا - بهذه الصورة - بين ابن خلدون وبين أمثاله الغربيين تكون بعيدة عن الحق والحقيقة بطبيعة الأمر.
إن مثلنا في مثل هذه المقارنات كمثل من يريد أن يقوم بمقارنة بين المناجم المختلفة، فيقدم على الموازنة بين الفلز الطبيعي الموجود في أحدها، وبين المعادن الصافية والجواهر اللماعة المستخرجة من غيرها، من غير أن ينتبه إلى أن تلك المعادن والجواهر أيضا كانت ممزوجة ومخلوطة بمواد ترابية وحجرية خسيسة، وأنها لم تظهر بمظهرها الحالي إلا بعد تصفيتها من النفايات، كما أن الفلز الطبيعي الموجود في المنجم الأول أيضا يحتوي على جوهر ثمين قد يبهر الأبصار، مثل تلك الجواهر بل أكثر منها إذا ما عولج وصفي مثلها.
من البديهي أن المقارنات يجب أن تجري تحت شروط متساوية؛ فعلينا إما أن نقارن الفلز الطبيعي بالفلز الطبيعي، وإما أن نقارن المعدن المستخرج والمصفى بالمعدن المستخرج والمصفى، وأما مقارنة الفلز الطبيعي المستخرج من منجم ما بالمعدن المصفى المستحصل من منجم آخر، فمما لا يتفق مع مقتضيات العقل والمنطق بوجه من الوجوه.
فيجب علينا أن نتجنب سلوك مثل هذه الطرق في دراسة ابن خلدون، ويجوز لنا أن نقارن المقدمة بكتاب من أمثالها مقارنة شاملة تامة، كما يحق لنا أن نقارن الآراء الثمينة المستخرجة منها بما استخرج من أمثالها، وأما المقارنة بين المقدمة بهيئتها المجموعة وبين الآراء القيمة المستخرجة من الكتب المماثلة لها فمما لا يجوز أبدا. •••
إن المقالات التالية ترمي - قبل كل شيء - إلى تطبيق هذا المبدأ في دراسة مقدمة ابن خلدون، وإظهار منزلة مؤلفها العظيم على هذا الأساس القويم.
بيروت، 20 آذار سنة 1942
تنبيه هام
من المعلوم أن طبعات المقدمة كثيرة ومتنوعة، وعدد صفحاتها يختلف اختلافا كبيرا من طبعة إلى طبعة؛ ولذلك رأيت من الضروري أن أصرح بأن أرقام الصفحات المذكورة في هذه الدراسات تعود إلى طبعة عبد الله البستاني في بيروت، وطبعة مصطفى محمد في مصر.
Shafi da ba'a sani ba
إنني رجحت الإشارة إلى صفحات هاتين الطبعتين مع علمي بكثرة أغلاطهما ونقص أبحاثهما؛ للملاحظات التالية:
إن طبعة مصطفى محمد المصرية منقولة عن الطبعة البيروتية نقلا زينكوغرافيا؛ ولهذا السبب إن مبدأ الصفحات والأسطر في كلتا الطبعتين متماثل تمام المماثلة، فالرقم الذي يشير إلى صفحة من الصفحات في إحداهما يوافق الأخرى أيضا تمام الموافقة، ومن المعلوم أن الأولى كثيرة الانتشار في سوريا، والثانية كثيرة الانتشار في مصر، ولا شك في أن نسخ هاتين الطبعتين أكثر انتشارا من نسخ جميع الطبعات الأخرى.
ومع هذا، بما أن هاتين الطبعتين تنقصهما بعض العبارات والأبحاث، اضطررت أحيانا إلى النقل عن الطبعات الأخرى، ولا سيما عن طبعة باريس، وفي مثل هذه الحالات صرحت باسم الطبعة التي أشرت إلى صحائفها.
ففي كل موضع ذكرت فيه أرقام الصحائف - من غير ذكر لاسم الطبعة - يجب أن يراجع إحدى الطبعتين الآنفتي الذكر.
المدخل الأول: على هامش المقدمة
جولة بين التاريخ والمؤرخين
كثيرا ما لاحظت أن بعض الذين يتصفحون «مقدمة ابن خلدون» تصفح العجلان، لا يلبثون أن يعرضوا عن قراءتها؛ بسبب الفصول والأبحاث المتعلقة بالكهانة والنجامة والرؤيا والسحر التي يلقونها فيها.
فقد سمعت غير واحد منهم يقول: إن ابن خلدون يعتقد بكل هذه الخرافات، ويفرد لها فصولا خاصة، فكيف يجوز لنا أن نعتبره - مع ذلك - عالما كبيرا، وأن نسميه مؤرخا عظيما؟
ولقد لقيت من يقول: إن ابن خلدون ينهي كل فصل من فصول مقدمته بذكر الله، وبالرجوع إلى علم الله، إنه يكتب في آخر كل بحث من بحوثه تقريبا «والله أعلم بالصواب»، أو «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، أو «وفوق كل ذي علم عليم»، فكيف يمكننا أن نوفق بين مثل هذه العبارات وبين «نزعة الأبحاث العلمية» التي يجب ألا تستند إلى شيء غير «الدلائل العقلية»؟
أما أنا فأقول لهؤلاء ولكل من يقدم على قراءة مقدمة ابن خلدون: يجب علينا ألا ننسى أبدا أن كاتب هذه المقدمة من رجال القرن الرابع عشر للميلاد، فيترتب علينا أن نتساءل: إلى أية درجة يحق لنا أن نؤاخذ هذا المفكر ونلومه على ما كتبه حول هذه الأمور، وفي هذا الصدد قبل مدة تزيد على خمسة قرون ونصف قرن؟
Shafi da ba'a sani ba