١١ - فصل
الطائفة الثانية من الثانية
طائفة ادعت الفناء والتصرف بغير اختيار، فانبسطت في المحرمات، وجرت عليها آثار نفسية اكتسبتها من التجريد والجمع، فظنها الجاهل من حقائق ما يقع للعارفين، وربما ألحق هذا الشخص بمثل الشيخ أبي العباس السبتي (١) ونظرائه من له فيه نية صالحة، فزاده ضلالا وجهلا، وربما جرى على لسانه كلام في الحق يشبه الحقائق، فكان سببا في الاغترار به، فيما يدعو إليه من اتباعه ونحوه، وربما انفعلت له النفوس الغافلة عند جمع قواه لها في أي باب كان، فظنها الجاهل عن أحوال تفيد وتنفع، وهي في الحقيقة عقارب تلدغ وحيات تلسع، وربما قصد من اعتقده الرجوع عنه، فمسه من الشيطان أمر يسوءه، فظن أنها كرامة ترده لهذا الشخص وتسوقه، فتأكد تعلقه به وخوف الغير منه، وقوي رجاء الطامع في النيل بصحبته فتمسك به، ولو صبر لله لحصل على ما يريده من الله، فانتفى عنه الأمر في أقرب وقت، لكن النفوس مبنية على التوهم، وإلا فالحق واضح، والباطل بين، والله أعلم، ولا يفيد أحد إلا مما عنده، فمن عرف بالتقلب لا تفيد صحبته غير الذبذبة (٢) والتقلب، ومن عرف بالتمكين لا تفيد صحبته غير ذلك، لأن من تحقق بحالة لا يخلو حاضروه منها.
ثم ما يظهر على مريد هذا الشخص إنما هي بركة صدق هذا المريد في حاله وحسن اعتقاده، ويعقبه ألف وقت خارج عن الإضمار، وإن استقام فعلى وجه لا ثبات له، وما حبسه في أسره إلا ترصد النفحة الأولى، حتى ربما أداه ذلك إلى ارتكاب ما يأمره به وإن كان محرما، بل فاحشة بينة، وهذا هو الضلال المبين، بزيادة أنه يحتج بما يقع له ويتأول شأنه، فيكون معينا له على نفسه، وعلى عصيانه وإساءته، وربما قال لمن يعذله أو يدعوه
_________
(١) هو أحمد بن جعفر الخزرجي أبو العباس، العالم الزاهد (ت ٦١١ هـ) نيل الابتهاج ص ٥٩.
(٢) في خ: (الزندقة).
1 / 60