للحق أنت لا تعرف، وهذا شيخ حقيقة، وأنت صاحب طريقة (١) وهذه أمور ذوقية لا تعرف بالخبر، وهذا كله جهل محض وضلال، ولو كان الشيخ محقا في حاله ومغلوبا في تصرفه، فله حكم يخصه، وهو حسن الظن به، وتأويل وقائعه بوجه يقبل من غير احتجاج ولا إعانة عليه، والتسليم لهم من غير اقتداء ولا اتباع في معصية لما نهي عنه من ذلك، والله أعلم.
...
١٢ - فصل
الطائفة الثالثة من الثانية
طائفة ظهرت بالجدب وتصرف المجانين بحيث أنها تمجذبت حتى صار الجذب لها سجية بحكم العادة، فلم تقدر على الاستقامة في التصرف، وثقل عليها الرجوع إلى المألوفات، ودعاها لذلك ما تراه من أحوال المجاذيب وما يجري لهم من الأحوال واستمالة الخلق، لميلهم لهذا النوع كثيرا، لا سيما الجهلة من أبناء الدنيا، فإنهم يؤثرون هذا النوع على غيره ويحبونه، ويقومون به وغالب من هذا شأنه أن يجانب العلم وأهله، ويعادي العمل ومن يلتزمه، ويقولون: هؤلاء هم الرجال الذين خرجوا عن الدنيا فلم تبق فيهم بقية، وهذه مصيبة وجهل، دعاهم إليها حب الدنيا حتى كرهوا كل من له بها تعلق، لكونه يشاركهم فيما لهم، بخلاف غيره.
وهناك طائفة على العكس، لا يرون المجاذيب شيئا ولا من يعتقدهم، وهم أسلم من الذين قبلهم، لتمسكهم بظاهر الشرع، وأسلم منهما من سلم الأمر، فلم ينتقد إلا بحق، ولا يعتقد إلا بحق، ويترك ما وراء ذلك، وقد قال بعض العلماء: ما زال يختلج في نظري أن المجذوب فاقد عقل التكليف الذي يثبت له به أصل الدين، فكيف تثبت له الولاية، وعلى مر الدهور يعتقد ولا نكير، حتى فتح الله بأن عقل تدبير المعاش هو الذي نيط
_________
(١) أي: شريعة.
1 / 61