محمد (ص) ناسخة لجميع الشرائع إلا ما قرر، وهذا أصل في الدين يتعين اعتقاده، ومخالفه كافر إجماعا، ولذلك لما أخبر (ص) عن نزول عيسى (س) ذكر تقريره لشريعتنا يقوله: "فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وإمامكم يومئذ منكم" (١)، هذا وهو أمر محقق، واجب الاعتقاد، فكيف بغيره فافهم.
ولقد بلغني أن هذا الرجل بلغ به الأمر إلى أن قال: ارتفعت أحكام القرآن ولم يبق إلا ما قال له قلبه عن ربه، وهذا كفر وضلال، وقال لي بعض الناس: كنا عنده ونحن نقرأ القرآن، فوقف علينا وقال:
ارتفعت بركة القرآن، ولم يبق الفتح إلا في الذكر بالجمع، أو نحو هذا، ويكفي في الرد عليه فوله (ص): "من ابتغى الهدى في غيره أضله الله" (٢) وذكر لي أنه يظهر بخوارق العادة، ويدعي مع أمره الولاية، بل الوراثة، وكل ذلك مكر واستدراج، نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه.
...
_________
(١) انظر حديث نزول عيسى في صحيح مسلم ٤/ ٢٢٥.
(٢) جزء من حديث علي (ض) في فضل القرآن، خرجه الترمذي ٥/ ١٧٢، وقال: حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفى إسناده الحارث، وفيه مقال، ذكر الحافظ في فتح الباري ١/ ٢٣٢، شبهة الذين يحتجون بقصة الخضر، على أن الأولياء والخواص لا حاجة لهم إلى النصوص الشرعية، وإنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم لصفائها حيث تتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، وفيما يلي كلام الحافظ على طوله لعظيم فائدته، وقوته في الرد على منتحلي هذه الشبهة، قال: الثانية، ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة، فقالوا: إنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء، وأما الأولياء والخواص، فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب من خواطرهم، لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الأغيار، فتنجلي لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون الأحكام الجزئية، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر.
1 / 59