ولم يدخلوا عليه في مقام الاستقامة وهو حمل النفس على أخلاق القرآن والسنة غير تعريفه بالأصلح له، من غير زيادة ولا نقص، لاتساع هذا الباب وجهل الإنسان باللائق به، وقيامه مع شهوته تفريطا أو إفراطا، مع ما يساعد ذلك من توسع الرخص أو تضييق الورع، الذي قد يليق به وقد لا، ويحمله عليه عدم علمه بحاله، لاسترساله مع حاله، كقوله (ص) لأبي بكر لما ذكر إسراره بصلاة الليل: "ارفع قليلا"، ولعمر لما ذكر إعلانه: "اخفض قليلا" (١) فأخرجهما عن مرادهما، وما تقتضيه طباعهما إلى مراد الله ورسوله تبرئة من الهوى، وإن كانا برءاء منه، فافهم.
وألزموه في مجاهدة النفس بما يوصل إليها من الجوع والسهر، والصمت والخلوة، وأضداد ذلك أو أضداد بعضه، إلى غير ذلك من مختلفات الأمور التي لا تنحصر، ويجري النظر فيها بحسب جريانها، وألزموه إظهار ما عنده ليصل إلى ما عندهم فيه، فكان بين أيديهم كالميت بين يدي الغاسل، (كما هو معلوم في شرط المريد مع الشيخ) (٢)، ولكنهم لم يلزموه هذا حتى رأوا فيه أهلية الجمع (٣) والكمال، فجاء بعد ذلك قوم حرفوا الأمور وبدلوا الأحكام، وخبطوا خبط الأعمى في تراكم الظلام، فضلوا وأضلوا، نسأل الله ... السلامة.
٩ - فصل
في ذكر ما ظهر في هذه الأزمنة هن حوادث لم تسمع فيما قبل
وأصله في ذلك الغباوة (٤)، والجهل، وهم طوائف ثلاثة: أولها: طائفة تعلقت بالعلم وهي على ثلاثة أنواع:
_________
(١) المستدرك ١/ ٣١٠، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(٢) لا توجد في ت ١.
(٣) يقصد بالجمع الفناء في توحيد الربوبية وأن يقول العبد: الله ولا سواه، انظر الموسوعة الصوفية ص ٧٠٨ والرسالة القشيرية ص٢٩.
(٤) في ت ١: الغياوة.
1 / 54