النوع الأول: قوم أخذوا بدقائق التوحيد وشقاشق الشطحات، فأكبوا على كلام أهل ذلك الفن، مثل: ابن سبعين (١) وابن الفارض (٢)، والحاتمي (٣) ومن نحا نحوهم من غير تعريج على طريقتهم في باب المعاملات، فظهر لهم أنهم حصلوا ما فهموا، ووقفوا بذلك على التحقيق بما توهموا، وحصل لهم من ذلك ذوق فهمي استلذوا به في نفوسهم، وربما أثر سريانه فيهم على محسوسهم فحرموا التحقق والعمل، وتعلقوا بالأماني والأمل، وهذا إن سلموا من معتقد فاسد، أو تجاسر على الربوبية والنبوءة في بعض المقاصد، وهذه طريقة كثير ممن يعجبك شأنه، ممن له في الطلب قدم أو الفهم وجه، لا سيما بعض المشارقة، نسأل الله السلامة، ثم كلامنا في ذلك ليس طعنا فيمن أخذوا بكلامهم، لكن في أخذهم له مع عدم تحققهم به، فافهم.
النوع الثاني: قوم تعلقوا بعلوم الأحوال والمقامات، ووقائع النفوس وموارد الحقائق، ورأوا أن ليس وراء ذلك مطلب، فاحتقروا العباد والزهاد، وادعوا أن ما هم عليه عين السداد، ثم مع ذلك فهم خائضون في أمر ليسوا منه على حقيقة، بل فهموا كلام الأئمة في ذلك، فادعوه حالا لأنفسهم بما
_________
(١) ابن سبعين أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم الإشبيلي، صوفي من زهاد الفلاسفة (ت ٦٦٩ هـ) طبقات الشعراني ١/ ١٧٧ ونيل الابتهاج ١٨٤ اشتهرت عنه مقالات رديئة كفره بسببها كثير من الناس، قال ابن دقيق العيد: إنه جلس معه من الضحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته، انظر لسان الميزان ٣/ ٣٩٢ والأعلام ٤/ ٥١.
(٢) هو عمر بن علي، قال عنه الذهبي: كان سيد شعراء عصره، وشيخ الاتحادية، (ت ٦٣٢م)، لسان الميزان ٤/ ٣١٧.
(٣) هو أبو بكر محمد بن علي الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بمحيي الدين بن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر، صنف التصانيف في تصوف الفلاسفة وأهل الاتحاد، قدوة القائلين بوحدة الوجود، له تصانيف كثيرة، نحو من أربعمائة ما بين كتاب ورسالة، رحل وسمع من الشيوخ وله في كل فن قدم، قال عنه الحافظ الذهبي: من أنعم النظر فيه لاح له العجب، فإن الذكي إذا تأمل من ذلك الأقوال والنظائر فهو أحد رجلين: إما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله الذين يعدون أن هذه النحلة من أكفر الكفر نسأل الله العفو، انظر ميزان الاعتدال ٣/ ٦٦٠، ولسان الميزان ٥/ ٣١١، والأعلام ٧/ ١٧٠، فصل ٨١.
1 / 55