ولسان في القضايا ذرب ... ينطق الفصل إذا الفصل تردد
وبيان لو يجاري سحره ... سحر هاروت وماروت لبلد
عقد الألباب تنحل به ... وبه ينتظم الأمر فيعقد
قال النبي ﵌: الجمال في اللسان.
وقال أميرالمؤمنين ﵇: من طال لسانه وحسن بيانه فليترك التحدّث بغرائب ما سمع، فإنّ الحسد لحسن ما يظهر منه يحمل أكثر الناس على تكذيبه.
وقال: المرء مخبوّ تحت لسانه.
وقال بعضهم:
كفى بالمرء عيبًا أن تراه ... له وجه وليس له لسان
وقالت الحكماء: الصورة الحسنة بلا منطق حسن كالبيت الحسن ليس به ساكن.
وقيل: المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
وقيل: المرء مخبوّ تحت طيّ لسانه لا طيلسانه.
وقال خالد بن صفوان: ما الإنسان لولا اللسان إلاّ ضالّة مهملة أو بهيمة مرسلة.
وقيل: دخل بعض الفصحاء على بعض الاُمراء فازدراه لدمامته وقال: لإن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: مهلًا أيّها الأمير، فإنّما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، إن تكلّم تكلّم بلسان وإن قاتل قاتل بجنان، ثمّ أنشأ يقول:
وما المرء إلاّ الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلق مصوّر
فإن غرّة راقتك منه فربّما ... أمر مذاق العود والعود أخضر
وأنشد أيضًا:
وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلّم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلاّ صورة اللحم والدم
وحسبك شاهدًا في هذا المقام بالحكاية التي تقدّمت في نقل ما جرى بين شريك بن الأعور ومعاوية بن أبي سفيان، وقوله في آخر كلامه:
أيشتمني معاوية بن حرب ... وسيفي صارم ومعي لساني
فقوله: وسيفي صارم ومعي لساني يشبه الكلام الذي مرّ في قولهم: إن تكلّم تكلّم بلسان وإن قاتل قاتل بجنان، ويشبهه قول مهيار:
مالي أذلّ وسيف نصري في فمي ... والمجد يحفظ سارحي وغريبي
وقول الآخر وهو من شعراء اليتيمة:
وإذا السيوف قطعن كلّ ضريبة ... قطع السيوف القاطعات لساني
وقول السيّد الرضي:
ومقولي كالسيف يحتمى به ... أشوس إباء على المقاول
وقوله أيضًا:
ما مقامي على الهوان وعندي ... مقول صارم وأنف حمي
وإباء محلق بي عن الضيم ... كما راغ طائر وحشي
وقوله أيضًا:
إن لم تكن في الجمع أمضى طعنةً ... فلأنت أنفذ خطبةً في المجمع
بنوافذ للقول يبلغ وقعها ... ماليس يبلغ بالرماح الشرّع
وقوله في رثاء الحسين بن الحجاج:
وما كنت أحسب أنّ المنون ... تفلّ مضارب ذاك اللسان
لسان هو الأرزق القعضبي ... تمضمض في ريقة الأفعوان
وقول مهيار:
من طاعني ثغر الخطوب ... بكلّ سكّيت مفوه
أُمراء معركة الخطابة ... فاتحو الشبهات عنوه
في كلّ جلسة كاتب ... منهم إلى الأعداء غزوه
والشعر في هذا الباب كثير جدًّا، وأقول: إنّما يشبه اللسان بالسيف تاره وبالسنان أُخرى لأنّ بعض الكلام الذي هو أثر اللسان وصفته له تأثير في النفوس كتأثير الجرح الحاصل من السنان والسيف، قال الشاعر:
جرحات السنان لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان
وفي بعض النسخ "الكلام" بدل اللسان وهو أولى إن كان البيت استهلالًا من حيث يكون مصراعًا.
ولا بأس بإيراد شيء ممّا ورد من الكلام المنثور في البلاغة والكلام البليغ والمتكلّم البليغ: قال أميرالمؤمنين ﵇: البلاغة النصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، ومن النصر بالحجة أن يدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها إذا كان الإيضاح أوعر طريقه، وكانت الكناية أبلغ في الدرك وأحقّ بالظفر.
وقيل لأعرابي: ما البلاغة؟ قال: الإيجاز من غير عجز، والإطناب من غير خطل.
وقيل لابن المقفع: ما البلاغة؟ قال: هي التي إذا سمعها الجاهل ظنّ أنّه يحسن مثلها.
وقال معاوية للضحّاك العبدي: ما البلاغة؟ قال: أن تجيب فلا تخطي، وتقول فلا تبطي. فقال: أكذلك أنت؟ قال: أقلني يا أميرالمؤمنين، البلاغة أن لا تخطي ولا تبطي.
وقال عبد الحميد الكاتب: البلاغة ما فهمته العامّة ورضيته الخاصة.
وقيل لكلثوم بن عمرو الغساني: ما البلاغة؟ فقال: ما أفهمك لفظه من غير إعادة ولا حبسه.
1 / 16