ولا يخفى على المتطلع أن في الصحيحين الرواية عن من انفرد عنه راو واحد وفي قبوله خلاف، وعن النواصب والخوارج والبغاة من الصحابة والتابعين والناكث لبيعته منهم والمجهول من الصحابة، وعن أمراء الجور وجلسائهم وأعوانهم، وعن الداعية إلى بدعته وربما دلس بأسماء آباء الرواة وفي روايتهما ممن تكلم فيه أهل الحديث كثير فلا يجترئ على قبول أخبارهم وتصحيحهم إلا الجاهل بأحوالهما أو الغالي فيهما أو من وافقهما وقدمهما على سائر أئمة الحديث، هذا علي بن المديني وابن معينن وغيرهما قد تكلموا في بعض رواتهما فكيف يكون رواية المتكلم فيه صحيح على قاعدة المحدثين، وكيف يلزم الزيدية قبول رواية من شرك في دمائهم وأعان عليهم أو جرحهم أو تجنب الرواية عن أئمتهم.
هذا وقد أجاب عن مطاعن المحدثين في روايتهما ابن حجر وغيره بما مرجعه إلى الترجيح بين الجرح والتعديل، وهل هذا إلا فتح باب النظر في روايتهما وما ترتب عليها، وذا مناف لمطلق الصحة من غير نظر وترجيح، فتأمل، ومن هنا تعرف غلو من قال بصحة ما فيهما من الأخبار، وقبول ما نصا على جميع مع ما قدمنا، ومن طالع (ميزان الاعتدال) و(اللآلئ المصنوعة) تحقق ما عرفناك وما ذكره المترسل رحمه الله انتهى.
وأما احتجاجه على حجية ما نقل أهل كل فن عن أهل الإسلام وما سود من التهويل فمن الغلو ويلزمه أيضا الرجوع إلى أهل علم الكلام ليقاد بهم فيه ومعرفتهم به وإلا فما هذا التهويل، على أنا لا نسلم له ما يزعم من اختصاص أهل نحلته بالحديث، بل ندعيه لغيرهم ونحتج بقوله صلى الله عليه وآله: ((إني مخلف فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا...)) الخبر، وفي لفظ: ((وسنتي)) فقد ثبت من الأخبار أن أهل البيت عليهم الصلاة وأزكى السلام لا يفارقون الكتاب أو السنة مع ذمهم التقليد.
Shafi 56