A Bakin Kofar Zuwayla
على باب زويلة
Nau'ikan
وسمع وقع خطا تقترب من الباب، فهب واقفا يمسح دموعه بكم قميصه، ودخل الغوري فاتخذ مجلسه في صدر القاعة، وظل الصبي واقفا بين يديه ... ورأى سيده في عينيه أشجانه فأهمه ما رأى، فاستدناه إليه وربت على ظهره بحنان، وضمه إليه بعطف وهو يسأله عما به. وسمع الفتى وأحس لأول مرة منذ فارق أمه نبضة قلب في نبرة صوت وضمة حنان، فعادت دموعه تنحدر على خديه، واحتبس الصوت في حلقه! فأرسله الغوري من بين يديه وأذن له في الجلوس وهو يقول: حدثني يا بني ما خطبك، فلعلي أن أزيل عنك بعض ما تنوء به من الهم!
وكان في صوته رنة صدق، فانحلت عقدة لسانه طومان وراح يتحدث بخبره إلى مولاه ...
قال الغوري: فأنت من بلاد الغور؟
قال طومان: نعم يا سيدي، ولم تزل أمي هناك!
فهش الغوري ورفت على شفتيه ابتسامة وهو يقول: إنك بعض أهلي يا بني! هيه!
واطمأن كل منهما إلى صاحبه وصفا ما بينهما، فمضى طومان يتحدث إلى مولاه وفي نفسه هدوء ورضا، ومضى الغوري يتحدث إلى نفسه صامتا، ويستعيد ذكرياته في بلاد الغور منذ ثلاثين عاما أو يزيد، يوم كان فتى في ريعانه يغتره الشباب وتتصباه المنى.
وتذكر الغوري أيامه الأخيرة هنالك، حين سول له أهل البغي أن يقتل بغير ذنب رجلا من أهله؛ ليقدم برهانه إلى الناس بأنه قد بلغ الرجولة ... فطعنه الطعنة القاضية وفر بدمه تحت الليل، وخلف أهله وراءه يبكون القتيل والقاتل!
ومضى طومان في حديثه يصف ما كان من أمره، ويقص قصة ماضيه في بلاد الغور منذ أحس وجود نفسه في خيمة نوركلدي، إلى يوم خطفه نخاس خوارزم، إلى ذكرياته في خان يونس، وفي معتقله من بلاد الروم، إلى أمله في لقاء أمه ولقاء أبيه ...
كانا جالسين وجها لوجه يتحدث كل منهما إلى نفسه حديثا لا يسمعه أحد غيره، والذكريات تذهب بهما مذاهب بعيدة فلا يكادان يلتقيان؛ فإن مجلسهما لقريب، ولكن بينهما من البعد في الزمان ثلاثين عاما أو يزيد، ومن البعد في المكان بقدر المسافة بين قلعة حلب والغور المنبسط وراء جبال القبج ...
واسترسل الغوري في ذكرياته وعاوده داء الوطن.
Shafi da ba'a sani ba