A Bakin Kofar Zuwayla
على باب زويلة
Nau'ikan
الفصل الخامس
أحلام جارية
مضى ركب جاني باي وملباي، يغذ السير حتى بلغ دمشق، فأقام أياما ثم استأنف سيره إلى القاهرة، وكانت الفتنة ثمة قائمة بين أنصار أقبردي الدوادار، وأنصار قنصوه الخمسمئي. أما قنصوه الخمسمئي فيعتز بما له من الأتباع والجند، وبما يملك من محبة الشعب، وبصهره إلى الأمير أزبك صاحب المال والجاه والإمارة ... وسيد الأزبكية ...
وأما أقبردي فإنه قريب السلطان وعديله ودواداره الكبير؛ فإن له سببا في البلاط ووجاهة عند المماليك والأمراء ...
وبلغ ركب ملباي وجاني باي القاهرة، أما ملباي فمثل بين يدي الأشرف قايتباي ليدفع إليه رقاب بنيه الأربعة هدية؛ ليكونوا جندا من جنده كسائر مماليكه، فقبل قايتباي هديته وشكر له، ثم أمر بخاير بن ملباي وإخوته الثلاثة فصعد بهم الأغا إلى الطبقة؛ لينتظموا مع سائر المماليك في مدرسة القلعة، حيث يتلقون علوم السلم وفنون الحرب وأساليب الفروسية على خير المعلمين وأبرع القواد في مصر لذلك العهد.
وأما جاني باي فأدى رسالته إلى السلطان ودفع إليه من جاء بهم من أقاربه الذين عاد بهم من بلاد الجركس، ثم انصرف معجلا إلى حيث ترك جاريته مصرباي الجركسية تنتظر مقدمه.
وكانت الفتاة قد بلغ منها الضجر والهم مبلغا بعيدا، فقد كانت تأمل أن يصعد بها تاجر المماليك إلى القلعة، فيعرضها على السلطان فيمن معه من أقاربه، ولكنه لم يفعل. وأحست خيبة آمالها المريرة حين فارقها خاير وإخوته وتقطعت بينها وبينهم الأسباب، لا حبا له، بل حبا للجاه والإمارة. لقد سمعت كثيرا عن حياة أمثالها من الجواري الحسان في بيوت السلاطين فتمنت الأماني.
لم تكن مصرباي تحب خاير حين آثرته على جارها وصديقها طومان، ولكنها رأت في صحبته وسيلة إلى بعض ما كانت تأمل. أليس ينتظر أن يكون خاير من حاشية السلطان؟! هكذا فهمت من حديثه إليها ومن حديث أستاذها، إذن فستجد به الوسيلة إلى أن تعيش في قصر السلطان. ومن يدري؛ فقد تجد بعد ذلك أسبابا تدنيها إلى العرش؟ وإن لها من جمالها وذكائها وسيلة لعلها تبلغ بها أن تصير يوما ما سلطانة أو أم سلطان!
تلك كانت أحلامها التي تتراءى لها في المنام، وتتخايل لعينيها في اليقظة، منذ سمعت تلك الأقاصيص التي يتحاكاها الناس عن تقلبات الأقدار بحظوظ الجواري في قصور القاهرة، وقد كبرت في نفسها هذه الأماني شيئا بعد شيء، حتى أوشكت أن تكون حقيقة مرتقبة يوم عرفت خاير، فعرفت أول أسبابها إلى تحقيق أمنيتها وتعبير رؤياها ... وكانت أحلاما لم يكد يشرق عليها الصبح حتى محاها شعاع النهار، فإذا هي وحدها وقد ذهب خاير، كما ذهب من قبله صديقها وجارها العزيز طومان.
وأحست لأول مرة منذ فارقت بلاد الجركس أنها جارية ... جارية يساوم عليها الرجال بمالهم في سوق الرقيق، ليس لها في أمرها خيرة ... وانحدرت دموعها على خديها لأول مرة، وشعرت شعور الوحيد الغريب، قد تقطعت الأسباب بينه وبين الناس جميعا، فليس بينه وبين أحد منهم آصرة من حب أو من رحمة ... وهتفت من أعماقها في صوت يختلج: ليتني بقيت إلى جانبك يا طومان!
Shafi da ba'a sani ba