A Bakin Kofar Zuwayla
على باب زويلة
Nau'ikan
قالت نوركلدي: وأراه يا أرقم وأجلس إليه وأسمع من حديثه؟ - نعم، وتحدثينه بما لقي منك أرقم الرمال! ويكون أرقم يومئذ في غير حاجة إلى مكافأة منك أو مكافأة من السلطان، ويمضي لوجه فلا يراه أحد!
قالت نوركلدي عاتبة: لا تزال يا أرقم تمن بما لقيت من النصب في سبيل معونة أم بائسة تريد أن تشتفي مما تجد من ألم الحرمان منذ ثلاثين عاما أو يزيد، فهلا عذرت امرأة لم تذق طعم الحنان منذ الشباب، ولم تزل - منذ كانت - تعيش في عالم من الذكريات والأماني قد انقطعت فيه عن دنيا الناس!
وحضره بثه، إن من حقه مثلها أن يشتفي مما يجد من ألم الحرمان أربعين عاما أو يزيد، إنه لرجل ولكنه مثلها لم يذق طعم الحنان منذ الشباب ، ولم يزل منذ كان يعيش في عالم من الذكريات والأماني، لم يقطعه عن دنيا الناس وحسب، بل قطعه كذلك عن دنيا نفسه، إنه في سبيل سعادة من يحب قد أنكر ذاته وشخصه، وعاد في نظر أحب الناس إليه شخصا غريبا فلا هو منه، ولا هو من نفسه!
ودمعت عيناه، فأخفى وجهه في راحتيه ومال برأسه، ونظرت إليه نوركلدي وقد اختفت سحنته الدميمة في راحتيه عن مرأى عينيها، فلم تر بين يديها حينئذ أرقم المسيخ، ولكنها رأت إنسانا آخر لا تزال تذكره على رغم السنين، وعاد إليها الصدى يردد آخر كلماته، فكأن لم تسمع صوت أرقم الرمال الشيخ، بل صوت فتى في ريق الشباب كان يجلس إليها منذ أربعين عاما يتحدث إليها وتسمع منه، وإن صوته لينفذ في أعماقها ...
ودنت منه ولا يزال وجهه مخبوءا في راحتيه، فوقفت خلفه ومست كتفيه بكلتا يديها وهي تقول في تأثر: ما بك اليوم يا أرقم؟
وسرت بينهما كهرباء الذكرى حين تلامسا، فارتجفت يداها وانتفض بدنه كله، أما هو فكان يعرف عرفان اليقين من هذه التي تتحدث إليه وقد أسندت يديها إلى كتفيه، وأما هي فلم يكن بها إلا إحساس القلب الملهم!
واستدار نحوها فالتقت عيناها بعينيه، فلم تلبث سحنته الدميمة أن أسدلت الستار بينها وبين ذلك الماضي البعيد، فأغضت المرأة من حياء وأنغض الرجل رأسه من ألم، وأطبق الصمت على المكان!
وتمثلت لعينيهما في وقت معا صورة واحدة قد التقيا عندها قلبا وفكرا وعاطفة، واجتمعا في الوهم على حقيقة حين مثلت لهما في الخيال صورة طومان باي، فتعانق حول صورته شعاع من فكرها وشعاع من فكره، وقد تجافيا جسدين!
الفصل السادس والثلاثون
السهم الأخير
Shafi da ba'a sani ba