A Bakin Kofar Zuwayla
على باب زويلة
Nau'ikan
وتبعثر جند الغوري على الطريق بين حلب ودمشق، لا يملك أحد منهم زادا ولا مأوى ولا راحلة، واستسلمت قلعة حلب الحصينة للفاتح بلا قتال، وتسلم مفاتيحها جندي واحد من جند ابن عثمان، هزيل معروق أعرج ليس معه إلا سيف من خشب، فوضع يده على كل ما كان في خزائن القلعة من ودائع الغوري التي جلبها معه من مصر، وبينها من الذهب والفضة مقادير لا تكال ولا توزن ولا تعد، وبينها من أدوات القتال وعتاد الحرب ما لا يثبت له جيش في الأرض، وبينها من نفائس الآثار وتراث سلاطين الماضين ما لا يقوم بمال ولا يعوض بثمن ... ورفرفت الراية العثمانية على القلعة المصرية الأولى، وشهد الاحتفال برفع الراية خاير بن ملباي أمير المدينة!
والتفت السلطان سليم إلى وزرائه وهو يقول مشيرا إلى خاير مبتسما: ذلك فضل صديقنا خاين بك فاذكروه له!
فاختلج خاير وأحس في قلبه ألم الوخزة الدامية فلم يجب.
وقال خشقدم الرومي: إن اسمه خاير بك يا مولاي!
قال السلطان: نعم، أعرفه، وإنما هي نكتة مصرية، فقد سمعتهم يتندرون قائلين: السلطان سليم «خان»، وما «خنت» ولا غدرت، ولكنه اسمي ولقب ورثته عن أجدادي، فماذا على صاحبك في أن يسموه منذ اليوم: خاين بك!
وضحك، وضحك أصحابه، وأنغض خاير بك رأسه خزيان، ثم انصرفوا جميعا لتدبير ما يشغلهم من الأمر ...
ولم يطب المقام لكثير من أهل حلب في ظل الراية العثمانية، فغادروها على آثار الجيش المصري إلى دمشق والقاهرة، وغادرتها نوركلدي في قافلة من المهاجرين، تأمل أن تبلغ القاهرة فتلقى ولدها طومان باي، نائب السلطنة طومان، ذلك الصبي الظريف الذي فارقته ولم تزل تطلبه منذ ثلاثين سنة، لا تعرف أين ذهب به نخاسه، وإنها لتطمع أن تراه اليوم سلطانا على عرش مصر أو نائب سلطان !
أتراها تعرفه حين تراه؟ أم تراه يعرفها؟
أما هي فنور الأمومة يهديها، وأما هو ... فمن يدري؟! إنها لتتخيله الساعة كأنها تراه رأي العين: شاب مستدير اللحية في زي أمراء المماليك، على رأسه عمامته، وفي وسطه منطقة مرصعة بالجوهر يتدلى منها خنجر في جرابه، وبين يديه طائفة من المماليك السلطانية يسعون بين يديه، وعلى شفتيه تلك الابتسامة العذبة التي طالما تخيلتها على شفتي أبيه أركماس ...
آه! ها هي ذي تذكر أركماس الساعة، ترى أين هو؟ أحي فترجوه أم ميت لا رجاء في لقائه؟ أين هو الساعة ليرى ولده طومان باي سلطانا على عرش مصر أو نائب سلطان؟ طومان الذي لم ير أباه قط، ولم يره أبوه قط، ولا يعرف اسما يناديه به حين يلقاه؛ لأنه مضى لوجهه وخلفه جنينا في بطن أمه لا يعرف أتتمخض عنه ذكرا أم أنثى ... ليته اليوم حي ليراه ويعرفه ويناديه مرة واحدة: يا ولدي! ثم يعود ثانية إلى حيث كان ... ليته اليوم حي فيصحبها على ذلك الطريق إلى القاهرة لرؤية ولدها، فليس يكفيها أن ترى ولدها بعينين اثنتين، وليس يشفي ما بها من الحنين أن تسمعه يناديها: أمي! نوركلدي! ولا تسمع شفتيه تهتفان: أبي! أركماس!
Shafi da ba'a sani ba