ومن الممنوعات عندهم الانتقال من كللي إلى قمري وهو الخبن عند العروضيين كالانتقال من فاعلن إلى فعلين فإن كان في الحشو جاز، وإن كان في القافية التي هي العروض والضرب عدة الزجالة خطأ في الوزن كقول الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي رسيل الحاج علي بن مقاتل في بعض مطالعه:
يا قلبي الهوى طيعو وطيع ما أمر ... وعصي من رجع لك في المحبة يلوم
ون كان من تحبو بعد وصلو هجر ... كن صابر فلا ذاك دام ولا ذا يدوم
وقال في بعض خرجات هذا الزجل:
لو كانت الناس تسجد أو تصوم لبشر ... لك كنت نسجد على الدوام ونصوم
فأتى بقمري موضع كللي في محل العروض والضرب وهذا عندهم خطأ في الوزن اللهم إلا أن يكون في الحشو لأن علماء الزجل منعوا من استعمال الزجافات العروضية وعدوها خطأ في الوزن وهي جائزة في الشعر، وزادوا على بحور الشعر التي هي ستة عشر بحرًا من الأوزان ما لا ينحصر، وقال الشيخ عز الدين الموصلي رحمه الله تعالى في تقريظ له على بعض أزجالي: فإن الزجل أوزانه ما انحصرت عددًا وسبله متشعبة، فهي تتلو طرائق قددا، قول الشاعر:
وله محاسن كلهن بدائع ... وله جموع فرقت وطرائق
فكأنه الثوب المجندر طرقه ... لا تستقيم وفيه معنى رائق
وفن الزجل لم تزل أوزانه إلى عصرنا هذا متجددة. ولكنها غير جائزة في الشعر لخروجها عن البحور المعهودة، ومخالفة كل شطر من البيت الآخر في القصر والطول والقافية، وبناء البيت الواحد على عدة أوزان وقوافٍ، وتقصير الأقفال إلى غاية من القصر، ولهم ملكة في تحرير الوزن وقوة في أن يستخرجوا منه وزنًا ثانيًا ولم يتغير اللفظ. ورأيتهم يستعينون على ذلك بالدمج، ويكون اللزوم في بعض الكلمة التي دمجها، وربما أنشدك أحدهم وزنًا اخترعه وسألك عن لزومه فقلت: هذا بيت بقافية أو بقافيتين، فإذا قطعه لك وجدته مطلعًا أو بيتًا بسبع قواف يكون المطلع بقافيتين، والبيت أغصانه وخرجته بخمس قواف كقولهم:
كم نقا سي شقا وزماني رماني وما عاد لقاسي بقا
فإذا قطعه لك على ما ذكرته لك أيها المتأدب، كان مطلعًا وبيتًا بسبع قواف، وتقطيع المطلع:
كم نقا سي شقا
والبيت: وزما ني رما ني وما عاد لقا سي بقا.
ولهم أغرب من ذلك وأقصر على هذا النمط وهو:
البحر أصبح فرجا ... والجاموس جا يسبح
وهذا أيضًا في الصورة مطلع واحد بقافيتين وتقطيعه:
البحر أصبح فرجا ... والجاموس جا يسبح
فهذا بعد التقطيع انتظم منه مطلع وبيت لست قواف.
ولهم أغرب من ذلك وأقصر على هذا النمط، والمراد هنا بالقصر قصر الوزن وهو:
زمزم حرر درهم
هذا أيضًا مطلع واحد، فإذا قطعته انتظم منه بيت ومطلع بست قواف، وتقطيعه هذا:
زم زم حر رر در هم
فهذه من أشكال النكت القصار في فنهم.
قلت: قد تقرر وعلم أن الفنون سبعة لا اختلاف في عددها بين أهل البلاد، وهي: الشعر، والموشح، والدوبيت، والزجل، والمواليا، والكان وكان، والقوما، فهذه الفنون الأربع التي جاءت بعد المقدم من الشعر، والموشح، والدوبيت الإعراب فيها غير جائز وهو التزنيم بعينه، وقد تقدم وتقرر وعلم، ولكن الزجل أعلاها رتبة وأشرفها محلًا لكثرة أوزانه وعذوبة ألفاظه ورشاقتها، ومدائن المسلمين المختصة بهم دون النصارى بالأندلس أربعة: وهي إشبيليا، وقرطبة، وبلنسيا، ومالقة. والذين خرجوا منها من الزجالة سبعة وهم: مخلف بن راشد، الحييط البرذعي، ابن قزمان، مدغليس، ابن المليكة، الحمال وهو متأخر.
وأول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد وأبياتًا محررة في أبحر عروض العرب بقافية واحدة كالقريض لا يغايره بغير اللحن واللفظ العامي، وسموها القصائد الزجلية، فمن ذلك للشيخ أبي عبد الله مدغليس قصيدة في بحر الرمل عدتها ثلاثون بيتًا مطلعها:
الهوى حملني ما لا يحتمل ... ترد الحق ليس لمن يهوى عقل
ليس نقع في مثلها ما دمت حيّ ... إن حماني من ذا تأخير الأجل
منها وهو لطيف:
اشتغل قلبي بذا العشق زمان ... فسقط لي نقطة العين واشتعل
1 / 12