قلت: الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله تعالى خلص جميع هذا الزجل من العيوب التي تقدم ذكرها وأوردها على أئمة الزجل من المغاربة وغيرهم، ولكن رتبته في النظم سافلة بالنسبة إلى علو مقام مناظيمه في الشعر والموشح، والذي يظهر إليّ أنه نظمه نظم خائف لعلمي أنه ما نظم غيره والله أعلم.
وقد عن لي أن أثبت هنا زجلًا من أزجالي الخالية من العيوب ليتضح للطالب سلوك هذه الطرق الغريبة، فمن ذلك ما نظمته، وأزهار الشبيبة يانعة، ومواردها عذبة، وهو هذا الزجل:
حين رققت نظم الغزل ... تأنس غزالي الشرود
وقال صف عيوني الوقاح ... وقول سود بها قلت سود
من أبصر حبيبي حسن ... لا يكون في عذلو يزيد
فيوم عيد رسم بالبعاد ... وامتثلت لو ما يريد
ولو كان قريب الديار ... ما كنت أمشي لو من بعيد
فيا دمعي اجري وقف ... سايل ما جرا في العهود
وقل للحبيب الطبيب ... يا طبيب لا تخلف وعود
حن نيران هواه أشعلت ... ومنشي البشر من تراب
ما خلا في جسمي رمق ... وراح جا التعب والعذاب
وجاه دمعي سايل نهر ... رآني عذولي مصاب
قال تريد أقودو إليك ... بانشراح في غيظ الحسود
قلت أي بالنبي يا عذول ... اطف ما بقلبي وقود
ذا القاسي بلين قامتو ... رق لي ونحوي عطف
وحلف ذا الغصين بالوفا ... ومحلا ليالي الحلف
وقال لي نظام سالفو ... حلى الجعدي هداك سلف
وماس تحت تزريد عذار ... يفوق حسن وشي البرود
تذكرت بأن النقا ... وخضر عيش أيام زرود
تغزلت فيه اطربوا ... ومال من رقيق الغزل
وقال خلي وصف الخدود ... فأني كثير الخجل
استطردت في وصفها ... سارت مثل سير المثل
حددني بسيف ناظرو ... حين أقام عليه الحدود
وقال كيف رأيت حالتك ... قلت نا قتيل الخدود
قادني وقطر دموع ... عيني لما جد الرحيل
وهيج لعقلي وقال ... وقم يا ضالع الهجر سيل
قلت قوم يا قلبي الحزين ... قاطع قلي حملي ثقيل
ومبرك ما كنا جميع ... قبل أن كان لخيري جحود
وقال حين حسابي جمل ... يا جمالي آش ذا القعود
من بارق عذيب الثغر ... حين عذبت طعم المياه
طعم الراح بقي في انحراف ... ولطف المزاج عنو تاه
وجوري الخدود لو يكون ... نصيبي كفاني نداه
تعود يا حبيبي وطبيب ... لا تعدم محبك وجود
فمن وجنتيك والثغر ... قصدو يا حبيبي ورود
قد طال الشرح بايراد هذه الأزجال هنا، وإن الرجوع إلى بقية ما يحرر من عيوب الزجل التي يمنع من استعمالها، فمن ذلك حركة الجار والمجرور، كقول قيم مصر خلف بن الغباري في بعض مطالعه:
الحمد لله الحميد المجيد ... قادر ومعلا قدر من مجدو
مقصود وموجود في العدم والوجود ... في السر والجهر أقصدو توجدو
فقوله: الحمد لله مبتدأ وخبر، والخبر هو الجار والمجرور في " لله " و" الحميد " صفة للجار والمجرور، وهي تابعة الموصوف في الجر، فالربع الأول من المطلع ليس بزجل بل بشعر صحيح معرب وهو من البحر السريع. وأما قوله في الربع الثاني قادر ومعلا قدر من مجدو فهو منوال الزجل الذي لم ينسج على غيره، وقوله: ومعلا شرع الزجل في الوزن والرسم فإنه لو قال وما أعلا أتى بهمزة القطع التي هي من أكبر عيوب فن الزجل.
1 / 11