وهتف بحماس يغطي به فتوره وفشله: معاذ الله .. معاذ الله.
فحدجته بنظرة جريئة، وسألته: إذن ماذا تريد؟
آه .. لم يتوقع هذا. خاب سعيك حقا؟ - يجب أن تعلم أنني امرأة شريفة، وتصرف بعد ذلك كما يحلو لك!
رجع وهو يقول لنفسه: إن الأمر ليس بالبساطة التي حلم بها. ومع ذلك فقد شدت على يده وهي تودعه، وأعربت له عن مشاعر طيبة جدا. وقالت إنها تنتظر زيارة أخرى، بل وثالثة ورابعة! واضح جدا ما تريد. وحن بكل قواه إلى عبير الورد، ثم اعترف بأنه فقد عقله. ووجد فوزية تعاني أزمة من أزمات مرضها، فتضاعف همه. وتذكر الأبناء والأحفاد فتكدر لحد المرارة. وتوكد لديه أنه لن يستطيع مواصلة الحياة في هذه الدوامة.
وفي خلال شهر من الزيارة الغريبة، تزوج فؤاد أبو كبير من ست آمنة في تكتم تام.
ولم يستطع بعد ذلك أن يواجه أسرته بالحقيقة، فكتب إلى ابنه الدكتور خطابا مسهبا أشبه بالاعتراف، مؤكدا فيه أنه لن يتخلى عن واجباته نحو أمه. وأقام في مسكن آمنة في بيته القديم، وتوقع أن يتصل به ابنه أو إحدى بناته، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، حتى خيل إليه أنه انتقل إلى عالم آخر، وجعل يتخيل وقع المفاجأة في أسرته بذهول، ولكنه طرح كل شيء جانبا وسلم نفسه للحب.
وبعد مرور ستة أشهر كتب فؤاد أبو كبير خطابا آخر إلى ابنه الدكتور، أخبره فيه بأنه مريض ودعاه إلى مقابلته. وهال الدكتور أن يجد أباه طريح الفراش، هيكلا عظميا مكسوا بجلد ذابل، ونظرة الموت تطل من محجريه. هاله المنظر حقا فبهت، ولما رآه أبوه اغرورقت عيناه فانكب الشاب على يده المعروقة التي ضرب لونها إلى السواد يقبلها ويبكي. وجلست آمنة صامتة طيلة العناق والبكاء، ثم قالت: زاره ثلاثة أطباء.
ولكن الرجل قال: أريد أن أرقد هناك.
فقالت المرأة وهي تحول وجهها جانبا: علم الله أني لم أقصر في خدمته، ولكن المهم هو راحته، فإذا شاء ذهب.
عاد فؤاد أبو كبير إلى فراشه القديم هيكلا عظميا مكسوا بجلد ذابل، ونظرة الموت تطل من محجريه. وأحاطت به أسرته، ولكنه استغرق في النوم أكثر الوقت. وفي لحظات اليقظة كان ينقل بينهم عينيه صامتا أو ينادي اسما بلسان ثقيل وصوت شخص آخر. ولم يتحسن ولكنه دخل طورا جديدا يتسم بالغرابة. ومرة فتح عينيه، وكان ابنه جالسا بجوار الفراش وحده، فتساءل باهتمام: ماذا حدث؟
Shafi da ba'a sani ba