68

Bayrut na kuka da dare

بيروت البكاء ليلا

Nau'ikan

عرج من فوره على رسام فلسطيني، لم يخرج موضوعاته أبدا عن ذات الموقف ... الخروج، أناس منكمشون عبر فراغات اللوحة ذات البعدين، يتحركون تحت أحمالهم وأزيائهم الفلسطينية وحطاتهم شبه مطاردين، وكما لو كانوا يبغون الإفلات من أسر اللوحة ذاتها ذات البعدين.

جمال وماعز ملون، وفي أقصى اللاند السكيب، تتبدى أشلاء لمدن وقرى متفجرة، نهبا للحرائق ونيران الكبريت والكوبالت.

كان له لحية كثيفة يغلب فيها بياضها على سوادها، تلمع عيناه شرها لكل ما يمت إلى الحياة والأحياء، رغم رسوماته ذات الدلالة المحددة للهجرة والرحيل وخراب البيوت ... الخروج من أسر الجلد.

ما إن فتح له شق باب مسكنه الحديدي متهللا حتى اندفع من فوره داخلا عابرا لوحات الهجرة والترحال التي ملأت صالة البيت وفاضت إلى الحديقة.

وحين تأمل المنظر، تذكر من فوره حديقة الليمون قصيرة الشجر الملحقة بعنبر صحة المعتقل، فيما قبل العدوان، والذي لم يخرجه منها متأبطا ذراع فتاته سواه ... العدوان.

جلسا من فورهما يحتسيان البيرة الساخنة متواجهين في شبه الحديقة الفقيرة العارية، ولم يخرج حديثهما بأبعد مما يحدث.

الدم والنار.

تمادى المضيف كثيرا دفاعا عن موضوعه الذي يشغله سنين طويلة منذ تفرغه بمرسم الأقصر منذ الستينيات قائلا، وهو يمشط لحيته بأظافره في هدوء لا اتساق بينه وبين ما يحدث من وهج النيران والدوي، ذاكرا بأنها القوة الدافعة للتاريخ، ومنذ الأساطير الهلينية المبكرة، يتبدى الأمر جليا في حالة بروميثيوس وعقابه، ذلك المقتحم مغتصب النار، التي بها يصبح بنو البشر أندادا للآلهة، كما ذكر كبير الآلهة زيوس، إلا أن بروميثيوس - بعيد النظر - كان على وعي تام بعقابه المتمثل في نخر النسر لقلبه على جبل كيقاوس؛ لينبت له قلب جديد في صباح اليوم التالي، يعاود النسر الوحشي التهامه بلا رحمة، وبكثير من التأني.

اختتم مصور الرحيل الفلسطيني كلامه عن الدم والنار، مشيرا لما يحدث ويبرق عبر سماء المدينة المحاصرة ومحاورها الملتهبة بكليهما مستشهدا.

أما المهاجر فلم يجد عندئذ كلاما يقوله، ولو من باب ومدخل إثراء الموضوع الماثل للنقاش والممارسة، مضيفا بأن الأمر الجلي هو أن لكل شيء - مهما ضؤل وانكمش - تاريخه ودورة تواجده، بدءا بالجراثيم وحربها حتى الثدييات، وزواحف الأرض والسماء المنقذة، منذ يهوه المحارب حتى نسور جيش الدفاع وطائراتهم القاذفة المحاربة بلا محاربين.

Shafi da ba'a sani ba