قال ابن القيم: ومعلوم أن عند النفاة يجوز أن يرد شرع الله ودينه، وأنه لا فرق في نفس الأمر بين ما ورد به وما تقتضيه أهواؤهم ولو أنه ورد بأهوائهم جاز، وكان تعبدا ودينا، وهذه مخالفة صريحة للقرآن، ومن المحال أن يتبع الحق أهواءهم {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض} وأهواؤهم مشتملة على قبح عظيم لو ورد الشرع به لفسد العالم أعلاه وأسفله وما بين ذلك.
قلت: فالأولى أن يقال: وإن كان الثاني قيل لهم بم عرفتم كونه مالكا أوربا؟فإن قالوا بالعقل فقد سلموا المطلوب، وإن قالوا بمجرد إخباره بذلك لزم في كل تحير وهو محال.
ومنها: أن الله وهو أصدق القائلين حكى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه استدل على قومه بالدليل العقلي الظاهر الضروري، وأنكر عليهم ترك العمل بمقتضى عقولهم حيث يقول: {واتل عليهم نبأ إبراهيم، إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين، قال هل يسمعونكم إذ تدعون، أو ينفعونكم أو يضرون، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون}.
ومنها: أن من ذم أحدا على كون السماء فوقه والأرض تحته أو على ما يشبه ذلك مما ليس بفعل له فإن العقلاء يذمونه، وكذلك من عظم البهائم والصبييان فإن العقلاء يذمونه أيضا، وإنما يذمونه في الصورتين لقبحه في عقولهم.
Shafi 31