ولما فر زعيم العبيد السوريين، سبارتاكوس، من جلاديه جلب معه جيشا مؤلفا من سبعين رجلا، فلم يلبث هذا الجيش أن عظم فبلغ رجاله سبعين ألفا، ويعد سبارتاكوس جد جميع الثوريين الذين ظهروا من الشعب فهزوا البحر المتوسط فكان موسوليني آخرهم في الترتيب التاريخي.
29
يمكن درس عظماء التاريخ وإدراك أمرهم من الناحية الفردية على أنهم من أصحاب السجايا الخارقة للعادة أو من ناحية البيئة التي نشئوا فيها، ومع ذلك يكشف التحليل الثنائي عن الرجل بأجمعه، ومع ذلك ننحاز إلى هذا المنهاج أو ذلك تبعا للوجه الذي نتناوله بحثا في حياة البطل.
وإذا ما سرنا في رواق على الكابيتول ودرسنا تماثيل العظماء النصفية الرخامية التي صنعت في القرن الأول قبل الميلاد، أبصرنا الرومان يراءون الرجل المعاصر أكثر من الأغارقة، وهنالك، كما في هذه الأيام، لا نرى كبير تقدير للجمال المذكر، وكان يعنى بالذكاء والقوة أكثر مما بأي أمر آخر. وكان أولئك القوم لا يبالون بتفهم الحياة والتمتع بها كما كان الأغارقة يصنعون قبلهم، وإنما كانوا يريدون أن يهيمنوا عليها، وليست بضعة الوجوه التي تبدو هادئة كملامح أغريبا اللطيفة، أو ملامح أغسطس المنحط اللطيفة، إلا من الشواذ، وينم وجه قيصر الخالد على الذكاء والعمل مع أن وجه الإسكندر ينم على العمل والجمال. وإذا كان يوليوس قيصر غير معدود أقوى سيد للبحر المتوسط فإنه أكثر سادته اتزانا على الأقل، وهو إذن لا يمكن تحليله إلا على نور الوضع السائد للبحر المتوسط في أواسط القرن الأول قبل الميلاد، وذلك إلى أنه كان له منافسون كثيرون، فلا يبصر فوزه عن يقين في عشرات السنين.
والمال؛ أيام شباب يوليوس قيصر، هو الذي كان يسيطر على الرومان أكثر من قبل حين كانوا يقضون حياة بسيطة، أو أكثر من بعد حين أوحى إيمان جديد إليهم بطراز عيش أعظم اعتدالا. وكانت رومة تشتمل على مليونين من السكان؛ أي كانت تحتوي من الناس ما يعدل ضعف أهلها في الوقت الحاضر؛ أي كانت أكبر مدينة في القرون القديمة، وقد أتى عليها حين كانت أسوارها تضم فيه تسعمائة ألف مصوت، وكان المال يساعد على رقابة الانتخابات والجيش. وقديما كان الأغارقة مدينين بسلطانهم لروحهم التجارية الفطرية، والآن ترى الروح التجارية هي التي تضعضع قوة الرومان التي كانت تقوم على حياة بسيطة وعلى فضائل حربية فيما مضى، وعلى مثل هذا النمط تحولت بروسية وألمانية الحديثة من أمم حربية إلى أمم تاجرة، والرومان تطوروا من أمم حربية إلى أمم تجارية كالبروسيين بعد زمن، وهذا هو سبب محاولتهم أن يتوسعوا من ناحية البحر مضطرين.
ولكن الرومان الذين كانوا ينشئون على حياة البحر المتوسط اضطروا بفعل موقعهم الجغرافي، أن يمدوا أبصارهم إلى جهة البحر حيث كان الشعب اليوناني الجزري يشعر بأنه في بلده. وكان الرومان عاطلين من مثل روح الأغارقة المرنة ومن مثل خيالهم فلم ينتجوا غير قليل من آثار الفن، وعلى العكس عرفوا مع الزمن سعادة وقوة أكثر مما عرف الأغارقة من حيث السلطان السياسي، ووصل الرومان من حيث الحذق التجاري إلى مستوى الأغارقة مع اختلاف الأمتين في عاداتهما التجارية. وصار الرومان في عهد يوليوس قيصر تجارا أكثر من أن يكونوا محاربين، وصار الأشراف، الذين كسب أبناؤهم معارك، يتعاطون أعمالا مالية، وكان جميع الناس يضاربون على أعمال النقل التجاري، وكان لجميع الناس أسهم في مصانع الآجر، وكانت تبنى، أو تشترى، بيوت للإيجار في رومة أو الإسكندرية، وكانت تستأجر سفن فتكسب الملايين أو يخسر المرء جميع ثروته إذا ما تفلتت السفينة المشحونة قمحا من القراصين أو صارت قبضتهم ، ولما أقدم لوكولوس على تحريم الربا في آسية الصغرى حال رأسماليو الرومان بينه وبين القيادة العليا.
ولم يترك الراح والزيت، اللذان هما من محاصيل البحر المتوسط، بين أيدي الأغارقة؟ ولم يشترى من القراصين بثمن عال ألوف العبيد من الخبراء بزراعة الكرمة؟ وفي رودس، في السوق العالمية، حيث كان يخزن الزيتون والخمر، كان يدفع مستخدمون لتعلم زراعة الكرمة وحفظ الخمر وبيعها تحسينا للنوع في روماني وزيادة في ثمنه، وصارت الخيل والضأن والحمير تربى تربية علمية وفق المنهاج الإغريقي بعد أن كانت ترعى في مراعي إيطالية وحشية. وكان المال ينصب نتيجة لارتفاع الأثمان فيحول إلى مغان
137
وحدائق ورد ومواكب صيد وولائم فاخرة يرفع صاحب المحل في أثنائها قشرة فطيرة كبيرة فيطير منها زوجا حمام، وقد أفسد فاتحو الرومان جميع العالم الإغريقي، ومنه الرزاة
138
Shafi da ba'a sani ba