وفي 28 آذار (مارس) سنة 1907 اقترن بها صاحب السعادة العربي الصميم عبد الستار بك الباسل وجيه قبيلة الرماح بالفيوم.
وتوفيت بالحمى الإسبانيولية في القاهرة ليلة الخميس 17 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1918.
الفصل الأول
كيف عرفتها
في مثل هذا الشهر كانون الثاني (يناير) منذ سنوات خمس اجتمعت بباحثة البادية للمرة الأولى. كانت تقضي فصل الشتاء في حلوان، وقد دعتني إليها على غير معرفة سابقة سوى معرفة القلم، بعد أن تبادلت وإياها بعض الرسائل في الصحف السيارة. دعتني على أثر رثائي ساعة فقدتها يومئذ فكتبت تقول: «إني وجدت ساعتك المفقودة والتقطتها. رأيتك ترثينها بحرقة فجئت لأمسح دموعك؛ لأني أحب دائما أن أمسح دمعة المحزون. تعالي إلي لتأخذيها؛ فإنها أحست بشوقي لرؤيتك فأتت تقدمة لمجيئك وتعارفنا. عثرت علي وعثرت عليها لنؤكد لك أنك وجدت الصديقة التي لا تخون.»
1
ترى ما الذي دفعها إلى ذلك؟ أهي النفس العلمية التي لا يفوتها سر من الأسرار ذكرت أنه قدر علي أن أحمل القلم يوما لأبكي المرأة الجذابة وأستخرج أمثولة من كتابات المرأة الخالدة؟
ذهبت إليها والشفق يضرم ناره في قلب الأفق والسحب قد انقلبت هنا لهيبا، وهناك أنوارا، وهنالك ألوانا. أي نفس لا ترتعش اغتباطا أمام جلال الغروب؟! والغروب في مصر أبرع جمالا منه في أي قطر آخر، وهو يبرز على أبدع ما يكون للسائر في قطار حلوان، مشهد رائع لا ينساه حياته من رآه مرة واحدة، فيه تبدو الأهرام كأنها ما تحجر من فؤاد الأيام وبعدها في أطراف الأفق يكسبها جمالا غريبا شفافا كجمال الأحلام.
على أن اغتباطي بمنظر الغروب في ذياك المساء لم يكن ليلهيني عما ينتظرني من جديد، ولا ليحبس عن ذهني أسئلة تتعاقب على فكر المرء قبيل اجتماعه بشخص غريب. إنما نحن نميل إلى الغريب ونميل عنه في آن واحد. وإذا دنت لحظة موعد ضرب بينه وبيننا للمرة الأولى فإننا لا ننفك متسائلين على غير إرادة (وغالبا على غير معرفة) منا: «ترى كيف هو؟ على أي قرار يوقع نغمة صوته، وإلى أي الألوان يقرب لون عينيه؟ كيف يبتسم ويتكلم ويتحرك؟ بل كيف يفتكر، وأي الأفكار متغلب عليه، وعلى أي الأساليب تتكون الفكرة في خاطره؟ ترى هل يتفاهم منا الروحان بلغتهما المختلفة عن لغة الشفاه الإصلاحية، أم نحن الساعة ملتقيان ليعلم كل منا أننا لسنا من وطن معنوي واحد، وأن بين مزاجينا هوة لا يزيدها التعارف إلا اتساعا؟»
أسئلة إنما ينحصر الجواب عنها جميعا في النظرة الأولى التي يتبادلها الغريبان، رجلين كانا أو امرأتين أو رجلا وامرأة، أو خادما ومخدوما، أو نظيرا ونظيرا، أو كبيرا وصغيرا. وتلك النظرة تسفر دائما عن إحدى عاطفتين اثنتين تتفاوت من كل منهما الدرجات: فإما انجذاب وإما تقلص، والانجذاب ميل والتقلص نفور.
Shafi da ba'a sani ba