لينتبه الآن كل منهما في أكفانه متلفتا كما يتلفت الزارع إلى سهول زرع فيها حبات قلبه يريا أن البذور المودعة في صدر الأرض نمت وترعرعت وصارت خضرة سندسية تبشر بالحصاد الذهبي العتيد. يريا الشبيبة ناهضة والمرأة مشاركة الرجل في أفكاره وعواطفه. يريا أن فئة بدأت تفهم ما قاله تنسن من أن قضية المرأة هي قضية الرجل،
9
وأن هذا وتلك عامودا العائلة، فإن مال أحدهما وقصر واختل وضعه تداعى سقف الأسرة وانهار صرح الاجتماع القائم على دعائم العائلة. يريا نفوسا متيقظات وعقولا تدرك كرامة الأفراد وكرامة الجماعات. نعم إن هذه فئة صغيرة من المجموع الكبير ولكن نقطة النور ستظل آخذة في الاتساع حتى تشمل القوم قليلا قليلا؛ إذ ذاك تقدر مصر المفكرة قدر من فتح الطريق بكل ما لديه من وسيلة وقوة؛ إذ ذاك تشعر نحوهما بتلك العاطفة التي هي فوق الإعجاب والشكران، وقد سماها كارليل «عبادة الأبطال» فتطلق على كل اسم «بطل الإصلاح».
وعلى هذا فكلمتي الأخيرة كلمة أمل ونشيد ظفر. والحكم في مستقبل المرأة المصرية - وامرأة الشرق الأدنى على العموم؛ لأن مصر عظيمة الأثر في أبناء هذه الأقطار - يجب أن يستخرج من كتاب «تحرير المرأة»، ذلك الحكم الذي أصدره المؤلف ساعة وحي ودونه في السطور الآتية:
إنه لا بد لحسن حال الأمة من أن تحسن حال المرأة. فإذا أرسل الناظر فكره ليحيط بأطراف هذا الموضوع الواسع وبجميع ما يرتبط به من المسائل انجلت له الحقيقة وتجلت له بجميع أسرارها فيرى صورة لا تشابه الخيال الذي كان يظنه جسما. ويرى المرأة التي يهيئها المستقبل تتلألأ في أنوار جمالها ظاهرة مظهرها الفطري ولابسة حلة كمالها الثنائي: الجسم والعقل.
الفصل العاشر
بين كاتبتين1
إلى باحثة البادية
ترنمت باسمك قبل أن أعرفك، واتخذت ذكرك عنوانا لنهضة المرأة المصرية قبل أن أطالع مقالاتك؛ لأن أصوات الجمهور قد اتفقت في الثناء على فضلك. غير أني عثرت بالأمس على مجموعة كتاباتك النفيسة فانحنيت عليها ساعات طويلات فيها خيل لي أني أقلب صفحات نفسك المفكرة المتوجعة.
ثلاث سنوات مضين، وتلك المجموعة محفوظة بين دفات المكاتب أو مبعثرة بين الأوراق والأسفار المتراكمة يوما بعد يوم. لكن سرها ما زال مترقبا يدا تلمسه، مستعدا لمناجاة نفس تتلمسه.
Shafi da ba'a sani ba