وليكون إنصافه تاما مستوفيا قال إن اعتبار المرأة لنفسها وحفظ كرامتها يقضيان بمنحها حق الطلاق، كما للرجل، وإنه ليس من العدل ولا من الإنسانية أن تسلب واسطة التخلص من زوج شرير أو من ذوي الجرائم، إلى غير ذلك ممن لا يمكن لامرأة سليمة الذوق والخلق أن ترضى بمساكنته.
معلوم أن هناك ضربا من الزواج يدعى «زواج العصمة» به تحفظ المرأة عصمتها بيدها فتنطلق عندما تشاء دون أن تقدم سببا للمحكمة. ويقال إن عددا يذكر من أغنياء المصريين يحفظون عصمة بناتهم عند الزواج، وأن المرحومة البرنسس نازلي هانم كانت متزوجة على هذه الكيفية. •••
ينجلي من كل ما سبق إذن أن باحثة البادية وقاسم أمين متفقان في وجوب إصلاح المرأة وفتح أبواب التعليم أمامها وجعل التربية متوفرة لها، وعلى أن هذه من خصائص المنزل. كذلك هما متفقان في وجوب الاجتماع والتعارف قبل الخطبة، وفي حل مشاكل الطلاق وتعدد الزوجات. ولا يختلفان في مسألة الحجاب إلا قليلا؛ لأن كلا منهما يعترف بخطر إباحته بلا استعداد، وبضرورة تعويد البنات عليه في الصغر وإعدادهن له مسلحات بالعلم الكافي والتربية المتينة. هذا في النقط الأساسية، أما من حيث التفاصيل فإن كلا لحق فطرته وأثبت نظرته الخصوصية في الحياة.
قضى قاسم أمين سنة 1908، وقضت الباحثة منذ عام وشهر وبعض شهر. فما هي نتيجة عملهما، وما هو الأثر الذي تركاه في بيئتهما؟ إنه يصعب جدا تعيين هذا الأثر وحصر تلك النتيجة، لأن عمل الفكر مكروب خير وضياء يسري متواريا في الأذهان والعواطف، محتجبا عن أنظار الناظر وإحصاء الحاسب. إننا لا نستطيع أن نتصور كيف تكون الحالة لو لم يجيئا ويكتبا. أما من جهة الباحثة فلو لم يكن غير حفلتي التأبين اللتين أقام إحداهما الرجال لمرور الأربعين يوما على وفاتها، وعقد الأخرى النساء لمرور العام، لو لم يكن غير ما قيل في رثائها وإذاعة فضلها مما لم يكن لامرأة قبلها في مصر الفتاة، لو لم يكن غير ذلك لكفى لتعيين مكانتها العالية. وسل الشبيبة التي كتب لها قاسم أمين وهي طفلة تلعب ووضع كل آماله فيها، سلها عنه تجبك كما تقدره وإلى أي درجات الإعزاز والإكبار يصل في نفسها.
لقد شاع قبيل الحرب أن عددا من الشبان المتعلمين اتفقوا فيما بينهم على تأليف جمعية لتحرير المرأة، حتى إذا بلغ عددهم الألف أطلقوا الحرية لنسائهم وأخواتهم وأمهاتهم وبناتهم وأباحوا لهن أن يخرجن سافرات. أليس أن قاسم أمين أوجد هذه الفكرة بكتاب «تحرير المرأة» حيث اقترح تأسيس جمعية يدخل فيها من الآباء من يريد تربية بناته على الطريقة الجديدة، وأن يختار لتلك الجمعية رئيس من كبار المصريين، ويكون عمل الجمعية في أمرين: الأول التعاون على تربية البنات على القاعدة الحديثة. والثاني السعي لدى الحكومة في إصدار القوانين التي تضمن للمرأة حقوقها بشرط ألا تخرج في شيء من ذلك عن الحدود الشرعية.
وأما الحكم في صلاحية ما ارتآه كل من هذين المصلحين الجليلين فهو كما قال حافظ في مرثاته لقاسم أمين:
الحكم للأيام مرجعه
فيما رأيت فنم ولا تسل
وكذا طهاة الرأي تتركه
للدهر ينضجه على مهل
Shafi da ba'a sani ba