فقال: لمن هذا البيت؟ فقلت: لي، فأنشد مرتجلًا:
يا راقد الليل بالإسكندرية لي ... من يسهر الليل وجدًا حين أسهره
ألاحظ النوم تذكارًا لطلعته ... وإن جرى دمع أجفاني تذكره
قال علي بن ظافر
اتفق أن خرجنا للقاء القاضي الفاضل، فرأيت في الموكب رجلا أسود اللون، وعليه جبة حمراء، فأنكرته ولم أعرفه، ولقيت القاضي الأسعد أبا المكارم أسعد بن الخطير أطال الله بقاءه، فقلت له: من هذا الأسود الذي كأنه فحمة من دم حجامة؟ فقال لي:
كأنه ناظر طرفٍ أرمد
فقلت: يصلح أن يكون قبله:
وأسود في ثوبه المورد
وبعده:
أو مثل خالٍ فوق خد أمرد
ثم لقيت بعد ذلك القاضي السعيد بن سناء الملك - رحمه الله تعالى - فأنشدته إياهما، وكتمته الأول، وقلت: قد صنعت لهما أولًا، فاصنع أنت أيضًا، وقصدت بذلك اختبار القافية وتمكنها؛ إذ كل خاطر إنما يبادر إليها، فقال:
وأسود في ملبسٍ مورد
فعجبت من توارد الخاطرين لما كانت القافية متمكنة غير مستدعاة ولا مجتلبة، إلا أن قوله: في ملبس أحسن من قولي: في ثوبه.
قال علي بن ظافر
وخرجت أنا وشهاب الدين يعقوب ابن أخت ابن المجاور ونحن بالإسكندرية أيام حلول الملك العزيز ﵀ بها، إلى جزيرتها المباركة لزيارة قبر صاحبنا القاضي الأعز أبو الحسن علي بن المؤيد المردد ذكره في هذا الكتاب؛ وقد كان توفي أغبط ما كان بالحياة، وأبعد ما كان من تخوف الوفاة، وغصن شبابه رطيب، والزمان على منبر فضله خطيب، فلما نزلنا بفناء قبره، وأسبلنا سيل المدامع لذكره، أنشدني شهاب الدين بيتين صنعهما في الطريق، وهما:
أيا قبر الأعز سقيت غيثًا ... كجود يديه أو دمعي عليه
فلا وإخائه الصافي ودادًا ... وددت الموت من شوقي إليه
فقال: إن بين الأول والثاني فرجة، تريد بيتًا ليسدها، فلعلك أن تسعدني، فقلت:
وحلت جانبيك مروج زهر ... تحاكي طيب أوقاتي لديه
ومنه إجازة بيت وقسيم بقسيم
كما روى إسحاق الجصاص، قال: صنع زهير بن أبي سلمى بيتًا وقسيمًا، وهما:
تراك الأرض إما مت خفًا ... وتحيا إن حييت بها ثقيلا
نزلت بمستقر العز منها
1 / 63