ولمّا دخل النصارى إلى الحمراء خرج أميرها أبو عبد الله بن محمّد بن أبي الحسن علي النصري واشترط المسلمون على العدو الكافر شروطا أظهر قبولها وبسط لهم جناح العدل حتى بلغت بزعمهم نفوسهم مأمولها وكان من جملتها أن من شاء البقاء عنده أقام في ظل الأمان مكرما ومن أراد الخروج إلى بر العدوة أنزل بأي بلاد شاء منها من غير أن يعطي كراء ولا مغرما وأظهر للمسلمين العناية والاحترام حتى كان النصارى يحسدونهم على ذلك ويقولون لهم: أنتم عند ملوكنا أعز وأكرم منا ووضع عنهم المغارم حيلة منه وكيدا ليغرهم بذلك ويثبطهم على الجواز. فوقع الطمع لكثير من الناس وظنوا أن ذلك البرق ليس بخلب فاشترى كثير من المقيمين الرباع العظيمة ممن أراد الذهاب للعدوة بأرخص الأثمان وأمر لعنه الله بانتقال سلطة غرناطة أبي عبد الله إلى قرية أدرش من قرى البشرة فارتحل أبو عبد الله بعياله وحشمه وأقام بها ينتظر ما يؤمر به ثم ظهر للطاغية أن يجيزه إلى العداوة فأمر بالجواز وأعد له المراكب العظيمة وركب معه كثير من المسلمين ممن أراد الجواز حتى نزلوا بمليلة من ريف المغرب ثم ارتحل السلطان أبو عبد الله إلى مدينة فاس حرمها الله وما زال أعقابه بها إلى الآن من جملة الضعفاء السؤال عبد الملك الطويل العريض فسبحان المعز المذل المانح المانع لا إله إلاّ هو.
1 / 67