" الحمد لله، الاستدلال بالأثر على المؤثر مما سلمه الإعلام، وشهدت به العقول الراجحة والأحلام، وهو الحجة المعتمدة حين تتفضل الألباب، وتتقصر الأفهام، وبه الاستمساك إنَّ طرقت الشكوك، أو عرضت الأوهام. وحسبك بما يسلم في هذا المقام المتعالى من الأدلة، وما يعتمد في هذا المجال المتضايق من البراهين المستقلة؛ فتحقيق أنَّ يتلقى هذا النوع من الاستدلال فيما دون الفن المشار إليه بالقبول، ويستقبل المهتدي لاستنباطه لمّا فيه من التبادر إلى الأفهام والتسابق للعقول؛ وإذا ثبت أنَّ المستدل بهذه الأدلة سالك على سواء سبيل، ومنتمٍ من صحة النظير إلى أكرم قبيل، فلا خفاء إنَّ كتاب " الإحاطة " للشيخ الرئيس ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الخطيب ﵀، من أثر هذه الدولة النصرية أدامها الله بكل اعتبار، ومآثرها التي هي عبرة لأولي الألباب، وذكرى لأولي الأبصار.
أما الأول فلأن الأنباء التي أظهرت صحتها، وأوضحت حجتها، وشرفت مقصدها، وكرمت مصعدها، وإنّما هي مناقب ملوكها الكرام، ومكارم خلفائها الأعلام، وأخبار من اشتملت عليه دولتهم الشريفة من صدور حملة السيوف والأقلام؛ وأفذاذ حفظة الدين والدنيا، والشرف والعليا، والملك والإسلام؛ أو ما يرجع إلى مفاخر حضرة الملك، وينظم نظم الجمان في ذلك السلك، من حضانة قلعتها، وأصالة منعتها؛
1 / 56