Takarduna … Rayuwata
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Nau'ikan
تشوح بيدها في وجه القضاء والقدر: «في ستين داهية المستشفى.» صوتها يشبه صوت جدتي الفلاحة، كفها الكبيرة وهي تشوح في وجه العمدة، صوت أبي وهو يلقي بالتقرير في وجه الناظر: «في ستين داهية وظيفة الحكومة!»
هذه اللحظة يصحو العملاق الراقد في أعماقي ينتفض واقفا متأهبا لفعل أي شيء، تتملكني قوة خارقة للعادة، يلتحم جسدي مع روحي مع عقلي في كيان واحد، عاقل ومجنون، من النار والطين، إرادة شيطانية أو إلهية، أيهما أقوى، روح أبي الميت تنهض، روح أمي في قبرها تصحو، روح جدتي وأمها الغزاوية والعامرية التي تمردت على رسول الله ونفرتيتي وحتشبسوت وعشتار وتوت وإيزيس حتى الآثمة الأولى حواء، كلهن يتجمعن داخل جسدي في روح واحدة يستحضرها صوت أم إبراهيم وهي تشوح بكفها المشققة الضخمة في وجه العفاريت الجن: «في ستين داهية الدنيا والآخرة كمان.»
لحظة الاستغناء المطلق، الانعتاق الكامل، تكررت هذه اللحظة في مراحل مختلفة من حياتي، أنقذني الاستغناء من الاستعباد، ينطلق صوتي عاليا يصل إلى السماء: في ستين داهية الدنيا والآخرة، أنا حرة أعمل اللي أنا عاوزاه واللي يحصل يحصل! - الساعة سبعة يا ضكطورة والنهاردة سبعة في الشهر والمرحومة أمي كانت دايما تقول السبعة كلها خير وبركة.
تفاءلت بالرقم سبعة كأنما بالعدوى، نتيجة الحائط تشير إلى يوم السبت سبعة من شهر سبعة «يوليو» عقارب الساعة تشير إلى رقم سبعة.
أهي مجرد صدفة أم حلقة متصلة في التاريخ منذ آلاف السنين؟! ولماذا كان رقم سبعة مقدسا؟ في مدينة بابل القديمة كان عدد الآلهة سبعة، في مصر القديمة كانوا يغنون للسبع سواقي، السماوات عددها سبعة والأرض من سبعة طوابق، أعمار الإنسان سبعة، والخطايا السبعة، وفي التوراة قتلت سارة ابنة طوبيا أزواجها السبعة، وفي الإنجيل المرأة في السماء لها سبعة رءوس، وسيوف الحزن السبعة في قلب العذراء، وفي القرآن السبع بقرات والسبع سنابل خضر ويابسات، والبحر يمده الله سبعة أبحر، ويمتد التقديس من سبعة إلى سبعين، فالمسيح له سبعون تابعا ، وفي الجنة لكل رجل اثنتان وسبعون حورية عذراء. •••
هذه اللحظة كنت واقفة أمام المرآة، عيناي تتأججان بالبريق، ابتسامة تحوم حول شفتي في استحياء: هل أؤمن بأساطير الأولين؟! أيمكن أن أتفاءل بالرقم سبعة مثل أم إبراهيم؟
رفعت وجهي إلى ساعة الحائط، إنها السابعة وسبع دقائق بالضبط، تضاعف التفاؤل ومعه البريق اللامع، اندفعت إلى الشارع بقوة ليس لها اسم، ركبت الأتوبيس، وجدت نفسي داخل وزارة الصحة في شارع مجلس الأمة، واقفة بقامتي الفارعة المشدودة في قلب مكتب الوزير. - لازم أقابل الدكتور نور الدين طراف دلوقتي حالا! - حاضر يا فندم!
انتفض مدير المكتب واقفا، لم يسمع هذا الصوت من قبل.
هذا الصوت لا يصدر عن الموظفين في الحكومة أو الموظفات، وليست هي لهجة الأطباء أو الطبيبات، ولا هي لهجة الضيوف من خارج الوزارة، صوت ينم عن جسارة لم يعرفها في النساء أو الرجال.
قامتها المرفوعة وعيناها المشتعلتان بنار سوداء، أتكون مبعوثة من مكتب رئيس الجمهورية؟! حركتها توحي أنها قادمة لتوها من عند جمال عبد الناصر. - أقول له مين يا فندم؟ - الدكتورة نوال السعداوي.
Shafi da ba'a sani ba