Articles from Dorar.net
مقالات موقع الدرر السنية
Mai Buga Littafi
موقع الدرر السنية dorar.net
Nau'ikan
الحِمْيَة الفكرية
علي بن جابر الفيفي
الأحد١٠رجب ١٤٣٢هـ
ألاحظ إقبالًا وتلهّفًا غريبًا لدى الشباب على قراءة الكتب الفكرية، والتي يناقش بعضُها كثيرًا من المسلمات الدينية، من أمثال كتب الجابري وعلي الوردي وأركون وغيرهم .. وحجّتهم في ذلك ضرورة التسلّح الفكري، ومعرفة ما عند الآخر .. ولظنّهم أيضًا أنهم سيجدون لدى هؤلاء أشياء لم يجدوها لدى ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم من أعلام الإسلام ومفكريه الأصلاء في القديم والحديث ..
وفي ظني أن هذه الموجة هي ظاهرة غير صحيّة أبدًا، يجب مكافحتها، وأطر النفس على تجنّبها، لدى فئة وترشيدها لدى فئة أخرى، ليس العمر وحده من يحدد هاتين الفئتين بل مقدار الوعي والطبيعة النفسية كذلك تعتبر محددات مهمة، فهي (أي هذه الموجة والصرعة الفكرية) باب ضلالة، وقد نُهي المسلم عن إلقاء نفسه إلى التهلكة ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]، ومن أعظم الهَلًكة هَلَكة الدين، يقول ابن تيمية ﵀: (من تعرّض للفتن .. وكله الله إلى نفسه) .. فلا يصح أن يعرّض المؤمن نفسه للفتن، ويدخل قلبه في اختبار قدرات عقدية، قد يخرج منه راسبا والعياذ بالله ..
بل إن من المطالب العظيمة التي يجب على المؤمن أن يشد يده عليها الحرص على نقاء التصور الديني، وعدم شوبه بغيره، وقد نهى المصطفى ﷺ عمر بن الخطاب عن قراءة ورقة لديه من التوارة وقد يُلمح في هذا النهي الحرص على نقاء العقيدة وعدم خدشها بما يجرحها ..
لا ينبغي تعريض القلب للفتن، «لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانًا»، ولا يظننّ ظان أن الضلالة تهجم على الإنسان دفعة واحدة، بل قد تستخدم سياسة النَفَس الطويل للفتك بعقيدة الإنسان، فقد قال المصطفى ﵊: «تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا ..»، وسُمّي السير في طريق الشيطان باتّباع (خطوات) الشيطان: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨]
فهناك عرض للفتن وهناك خطوات، إذن فالضلالة تتوسّل بشعور الإنسان بالأمن من الإضلال فتدلف عليه من هذا الباب متوشّحة جلباب حب الإطلاع، أو العلم بالشيء خير من الجهل به، وما تزال تتجمّع حتى لا يستطيع القلب دفعها فتدفع به هي في وديان الضلال المبين ..
كانت الخواطر العقدية السيئة تخطر في قلوب الصحابة، فلم يكونوا يُفصحوا عنها، بل يقول أحدهم لأن أتحوّل إلى فحمة خير لي من أن أقولها، ويقول الآخر لأن أخرّ من السماء أحب إليّ من أن أبوح بها، مع أن الذي سيفصحون عن خواطرهم لديه هو رسول الله ﷺ، ولكن لوك الشبه العقدية ليس مما ترضاه فطر أهل الإيمان .. فكيف بالعكوف على كتاب قد جمع فيه مؤلفه أنواع الضلال، مع الاستدلال لها، وردّ ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ .. ومما يُلحق بكتب أهل الزيغ مقالاتهم التي يكتبونها في المنتديات والصحف وخواطرهم التي ينشرونها في صفحاتهم ومقاطعهم التي ينزلونها في بعض المواقع ..
1 / 204