ولما وصل عمرو بن كليكرب من الصين كتب كتابا بالحميرية، واودعه لوخ نحاس، وغادره هنالك أمارة، ثم ان تبعا كرّ راجعا إلى اليمن، فسار في طريقه حتى قدم المدينة، وهي يومئذ تسمى يثرب، يريد اسباحتها حين قتل بها ولده، واهلها الاوس والخزرج ابناء حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، وهم يومئذ اهلها ومن بقي عندهم من يهود يثرب، وقد كان تبع في مسيره ذلك خلف بيثرب ابنا يقال له خالد، ومعه امه ن ومضى إلى الشام والعراق وارض فارس، واستفتح الفتوح، فاغتالت يهود يثرب ابنه فقتلته، وقد كان خلفه بها، فلما كر راجعا إلى اليمن بلغه ذلك، فأمر جيوشه بالمسير إلى المدينة ليدمر اهلها، فتوجه نحوها وأنشأ يقول:
يا ذا مُعاهن ما اراك تريد ... اقذى بعينك غالها ام عود
منع الرقاد فما اغمض ساعة ... نبط بيثرب آمنون قعود
نبط اسارى ما ينام سميرهم ... لا بد ان طريقهم مورود
فلأ وقعن يوما بيثرب وقعة ... تبكي اراملها معا وترود
ولاخضبن سبالهم بدمائهم ... ولترغمن معاطس وخدود
واقبل تبع حتى بلغ المدينة مجمعا على خرابها وقطع نخيلها، فنزل بسفح أُحُد واحتفر بئرا، فهي إلى اليوم تسمى بئر الملك، وارسل إلى اشراف اهل يثرب، الاوس والخزرج. فتحصنوا عنه في آطامهم، ومنعوا احلافهم من اليهود وكانت خيوله تحاربهم النهار حتى إذا امسوا وكان الليل دلوا اليهم التمر في المكان والخبز واللحم والثريد والعلف، والقت للخيل، فرجعوا إلى تبع فاخبروه بذلك فقالوا: بعثنا إلى قوم يحاربونا بالنهار ويقروننا بالليل!! فقل: نِعْم القوم قوم وجدت، قاتلوني نهارا واقروني ليلا.
ثم ان الاوس والخزرج ارسلت اليه فقالت: ابيت اللعن. ان اليهود لم تكن لتجتريء ان تقتل ابنك وانما قتلته امرأته. قال تبع: وكيف ذلك؟ فقالت دخلت امة بينه وبين امرأته. فقال تبع: اولعت الحماة بالكنة واولعت الكنة بالظِّنّة. فذهبت مثلا.
وأتاه حبران من اليهود فقالا له: ايها الملك ان مثلك لا يُقْبِل على الغضب ولا يقبل قول الزور. وشأنك عظيم من ان يصير امْرُكَ إلى التسرع إلى مالا يَجْمُل وانك لا تستطيع ان تخرب هذه القرية. فقال: ولم ذلك؟ فقالا: فأنها محفوظة، وومهاجر اليها نبي من بني اسماعيل بن ابراهيم اسمه احمد، يخرج في آخر الزمان هذه البنية. يعني الكعبة - قال تبع: متى ذلك؟ قالا؟ من بعد زمانك بوقت وازمان. فوقع كلام اليهوديين في قلب تبع فأعجبه ما سمع منهما وصدقهما وامسك عن حرب اهل المدينة، وانصرف عن رأيه في خرابها. وقال تبع في ذلك
ال عيني لا تنام كأنها ... كحلت اماقيها بسم الأسود
انا لما فعل اليهود بخالد ... فأبيت منه ساهرا لم ارقد
قد هبطنا يثربا وصدورنا ... تغلي به بلا بقتل محصد
إلى ان اتاني من قريظة عالم ... حبر لعمرك ذو تقى وتعبد
ازدجر عن قرية محجوبة ... لبني مكة من قريش مهتد
عفوت عنها عفو غير مثرب ... وتركتهم لعقاب يوم سرمد
1 / 81