ثم بث سراياه ووجه امناؤه على جيوشه: فوجه ابنه حسان ذا معاهن، ووجه عبد كلال فوجيء اليمامة فاستباحها، ووجه عامر ذا حوال فأتى المُشَقَّر فاستباح اهلها. ووجه خالد ذا شلال فدّوخ بلاد مضر كلها، ووج شمرذا الجناح على مقدمته في خلق عظيم يريد الجوف، فمضى شَمَر ذو الجناح فواقع صاحب الجوف فهزمه، وقتل وسبى وغنم المدائن، ثم سار تبع الاسعد في جمهوره عساكره وقال في ذلك:
هل اتى الناس ان اسعدا قد ... ازمع بالسير مع قصور ازال
نحن سرنا إلى بلاد معد ... بجيوش كالاسد ذي الاشبال
الف الف تعطل الارض منهم ... فوق جرد تسمو بصم العوالى
فوطئنا البلاد من ارض قيس ... وتميم هناك وطيء النعال
ثم مالت إلى المُشَقَّرخيل ... فاحتوت ما بها من الاموال
وطحنا جَوَّا وما حول جَوَّ ... بالعناجيج والقُنا والرجال
واستبحنا هوازنا بخيول ... ساهمات الوجوه مثل السعالى
وملكنا معد شرقا وغربا ... فاستكانوا في قبضة الاذلال
ثم وجهت ذا معاهن في جمع ... وفي مثل ذاك عبد كلال
ثم تتبعهم بخيل ورجل ... عند ذي البأس عامر ذي جوال
وسما ذو الجناح وقد قَدَّمْتُ ... في الخيل خالدا ذا شلال
فوطئنا جبال كرمان حتى ... تركتها الجياد مثل الرمال
واخذنا حراير الصين قسرا ... وتركنا البلاد في زلزال
واقبل يبع يسير حتى نزل موضع الحيرة قبل ان تبنى، فعسكر به إلى شط الفرات، وسأل: لمن هذه البلاد؟ فقالوا: لرجل من قومك يقال له جذيمة الوضاح، فقال: تحيروا بها. فسميت الحيرة لقوله. ثم اقبل قباذ بن هرمز - وهو الملك يومئذ على فارس - وجمع كل اهل فارس، واستعان بقاصيهم ودانيهم، ولقي تبع يريد كَفَّه ورده عن ارض فارس، فأوقع بهم هزيمة فهزمه وكشفه، وفل جمعه، وقتلهم قتلا ازرع فيهم، واستباح سواده، بعد قتال ايام، وهرب قباذ حتى قطع دجلة، ووجه تبع شمر ذا الجناح في طلبه. وقال تبع في ذلك:
سائل معد بن عدنان التي وطئت ... جيادنا هل رأيت في بطشنا اينا
قدنا الكتائب من اقطار ذي يمنٍ ... حتى نطحنا بها كرمان والصينا
والسند والهند قد سدنا وقد وطئت ... خيلى على خد بهرام وجورينا
دار قباذ تركنا الطير تنهشه ... مجدلا واسرنا ثم شروانا
وقد غضبنا بسابور وحوزته ... ولا يصبح له من مسه حينا
ثم انصرفت وتلك الارض خامدة ... وسقت من شئت مقرونا ومحبونا
في اشعار له كثيرة يذكر فيها وقائعه ومسيره.
ولما دوخ بلاد العراق والجزيرة وخراسان، ووطيء الصين وبلاد فارس كافة، وارض العرب ذكر له صين الصين فعنف من نعته له اذ لم يذكره وهو بقربه، ثم اجمع على ان يوجه اليه جندا، فأمر قُيُوله ان يخرجوا من كل عشرة واحدا، ففعلوا، وولى عليهم اخاه عمرو بن كليكرب، فأوغل في البلاد التي هي للاعاجم ن وافتتح فتوحا كثيرة، وافتتح سمرقند، والذي ولى فتحها شمر ذا الجناح، ثم رد شمرا ومضى عمرو فأفتتح صين الصين ثانيا، واقام بها، فكتب اليه تبع بعلمه ان الجيش قد ملوا الثراء، وتطلعوا للقفول ن فكتب اليه اخوه عمرو بن كليكرب:
ابلغ ابا كرب العلى ... والمرؤ تنفعه التجارب
انا اتينا الصين قد ... جمعوا لسورتنا الجلائب
عبُّوا وعبأنا لهم ... جمع القبائل والكتائب
فرماحنا ورماحهم ... ما بين مقتصد وثاقب
وسيوفنا وسيوفهم ... ما بين مغلول وقاضب
وبنالنا ونبالهم ... يوقدن نار ابي الحباحب
فهزمتهم وقتلتهم ... وابدتهم الا الكواعب
فلنا المشارق كلها ... في ملكنا ولنا المغارب
ان كنت ازمعت الايا ... ب فأنني لا غير آيب
1 / 80