============================================================
الوحيد في سلوك أهل التوحيد ولقد ذكروا أن دودة خرجت من مكاها فتألم بخلو موضعها من نعمة الله تعالى بالبلاء عليه؛ لأن الله تعالى ينعم بالبلاء ويبتلي بالنعماء فقيل أنه قال: مسني الضر [الأنبياء: 83] لذلك، وقيل غير ذلك.
ولما أخرجوه من البلد خشية أن يصيبهم بلاؤه، وأظهروا له أن ذلك من غضب الله تعالى عليه، وحملته زوجته إلى ظاهر البلد، وذكر أنه دخل عليه أصدقاء ثلاثة خرجوا إلى زيارته فقال أحدهما للآخر: لقد ابتلي أيوب ببلاء عظيم، فقال الآخر: لقد صبر أيوب صبرا عظيما، فقال الثالث: لو كان له عند الله تعالى حظ ما ابتلاه بهذا البلاءء. وهم يظنون أنه لا يسمعهم فقال: متني الضر.
وعلى الجملة لم يكن أيوب القييل متبرما ولا شاكيا ولا جزعا ولا مختارا غير الحالة التي هو فيها.
وقد تكلمت الطائفة في الصبر بحسب مواجيدهم، وكل ذكر ما يجده أو ما وجده فمن قائل: قال الحلاج إنه يقطع يدك ورجلك وأنت تضحك فقال الراوي والله لقد رأيته بعد ثلاث وقد قطعت يده ورجله وهو يضحك، ومن قائل أن الصبر يجرع غصصا ومرارات أدناها الموت، ومن قائل: إن الله تعالى إذا أراد أن يعذب البلاء أنزله على فقير؛ لأن البلاء إنما يعذب من يتألم به أو يتعذب به، أما إذا كان يتلذذ به فما يعذب إلا البلاء لأنه يعمل في غير معمل وأعرف فقيرا مع كونه شابا قطع الجذام أصابع يديه ورجليه وأعمى بصره، وكنت بمكان وهو فيه، فكرهت أن أراه خشية من الألم عليه، فسمع بحضوري حوكان عندي قوال- فخرج وطاب وتواحد كثيرا وطرح نفسه على الأرض، وقام وعانقني وقال والله يا سيدي إي طيب منشرح الصدر فلا تتألم، ثم بعد ذلك مات رحمه الله تعالى فقيرا.
وكان قد اجتمع بنا وهو متوجه إلى الحجاز، فلما وردنا مصر لم أره فقيل لي آنه حصل له مانع، فسرت إليه فوجدته والجذام قطع أصابع يديه وأقدامه وهو من حسن صورته على زيادة مما أعهده، لم يظهر عليه أثر الألم ولا شيء منه.
ورأيت شيخا من المشايخ كان إذا أوذي أو بلغه ما يؤلمه يفعل ما يفعله للذي يغص باللقمة ولا يتكلم كلمة واحدة، وربما أحسن إلى من آذاه، والصابرون في الله ولله
Page 52