[59_2]
وجهة ما هو مكلمك به، وقدر ما هو سائلك إياه، إذا وصل إليك فأصدرت رأيك في حوائجه، وأنفذت مصدور رويتك في مرجوع مسألته، قبل دخوله عليك، وعلمه بوصول حاله إليك، فرفعت عنك مؤونة البديهة، وأرخيت عن نفسك خناق الروية، وأقدمت على رد جوابه بعد النظر، كاتبك، وطوى عنه حاجته قبلك، دفعته عنك دفعا جميلا، ومنعته جوابك منعا وديعا، ثم أمرت حاجبك بإظهار الجفوة له، والغلطة عليه، ومنعته من الوصول إليك، فإن ضبطك لذلك مما يحكم تلك الأسباب صارفا عنك مؤونتها، ومسهلا عليك مستصعبها.
هذه هي خطة التي اختطها عبد الحميد لولي عهد المسلمين، يريد بها أن يرفع مقامه بين الناس، على اختلاف مطالبهم، وأن يظهر بمظهر الكرامة، بعيدا عن تجبيه قاصديه والتجهم لهم، وهو ضرب من حسن السياسة ما نخال رجال الدولة الراقية اليوم يعملون بغير هذه الطريقة حتى لا يسقطوا من الانتظار، ويتركوا للمراجعين فسحة من الأمل، ولا يقطعوا معهم قطها بتا، وأن يستهدف صغار العمال للنقد وأفظع من النقد، والرئيس بمأمن، على حين هو الكل في الكل، والصغير عن رأيه صدر، ولإرادته نفذ، ولقانونه طبق. وماذا يضير هذا لو حمل الناس عليه بالطعن، وقد يفادي بالمئات من العمال لقيام الدولة وحفظ البيضة، واستبقاء الكرامة والحظوة، في سبيل الرفع من مكانة الرئيس الأول، فإن بسقوطه سقوط الدولة، وسقوط بعض عماله ل شأن له ولا بال. وحقيقة فإن من المسائل ما يوفق لكشفه صاحب الشرطة مثلا أكثر مما يوفق العظيم في الدولة، لأنه متمحض لذلك، ومقام ولاية العهد يصغر في نفوس الأمة إذا عمل صاحبه في جزيئات الأمور عملا قد يجيده العامل الصغير، ويوفق فيه، ويوفر على صاحبه وقته، ويرفع في العيون شخصيته.
جود عبد الحميد الكلام على هذا فأبان عن بعد نظر في سياسة الملك وسياسة
Page 59