[60_2]
الرعية، ثم أنشأ ينهج للمكتوب إليه طريقا مهيعا، في سلوكه مع جلسائه وبطانته، وأهل مشورته وأعوانه، وفي أحوال نفسه. وتالله لقد لقنه هنا أدبا وحدد له عادات أشبه بقواعد الحياة العامة في الممالك المتحضرة اليوم. والعقل البشري على كثرة ارتقائه جيلا فجيلا، لن يبرح في دائرة نرى فيها ما كان يستحسن قبل ألف سنة يستحسن اليوم، وتلك القواعد التي يتمسكون بها هي القواعد التي سنها أجدادنا لأنفسهم منذ ثلاثة عشر قرنا.
قال عبد الحميد:
احذر تضييع رأيك، وإهمالك أدبك، في مسالك الرضا والغضب، واعتوارهما إياك، فلا يزدهينك إفراط عجب تستخفك روائعه، ويستهويك منظره، ولا يبدن منك في ذلك خطأ ونزق خفة لمكروه إن حل بك، او حادث إن طرأ عليك. . . . وامنع أهل بطانتك وخاصة خدمك من استلحام أعرض الناس عندك بالغيبة، والتقريب إليك بالسعاية، والإغراء من بعض ببعض، أو النميمة إليك بشيء من أحوالهم المستترة عنك، أو التحميل لك على أحد منهم بوجه النصيحة ومذهب الشفقة، فإن ذلك أبلغ بك سموا إلى منالة الشرف، وأعون لك على محمود الذكر، وأطلق لعنان الفضل في جزالة الرأي وشرف الهمة وقوة التدبير.
واملك نفسك عن الانبساط في الضحك والانفهاق، وعن القطوب بإظهار الغضب وتنحله، فإن ذلك ضعف عن ملك سورة الجهل، وخروج من انتحال اسم الفضل، وليكن ضحكك تبسما أو كشرا في أحايين ذلك وأوقاته، وعند كل رائع مطرب، وقطوبك إطراقا في مواضع ذلك وأحواله، بلا عجلة إلى السطوة، ولا إسراع إلى الطيرة، دون أن يكنفها روية الحلم، وتملك عليها بادرة الجهل.
إذا كنت في مجلس ملئك، حيث حضور العامة مجلسك، فإياك والرمي بنظرك إلى خاص من قوادك، أو ذي أثره عندك من حشمك وليكن نظرك مقسوما في
Page 60