[58_2]
الأمر، وتعتمد عليه فيه، أن لا يقدم على شيء ناظرا فيه، ولا يحاول أخذ أحد طارقا له، ولا يعاقب أحدا منكلا به، ولا يخلى سبيل أحد صافحا عنه لإحصار براءته، وصحة طريقه، حتى يرفع إليك أمره، وينهي إليك قضيته على جهة الصدق، ومنحى الحق، ويقين الخبر، فإن رأيت عليه سبيلا لمحبس، أو مجازا لعقوبة، أمرته بتولي ذلك من غير إدخاله عليك، ولا مشافهة لك منه، فكان المتولي لذلك، ولم يجر على يديك مكروه رأي، ولا غلطة عقوبة، وإن وجدت إلى العفو سبيلا، أو كان مما قرف به خليا، كنت أنت المتولي للإنعام عليه بتخليه سبيله والصفح عنه بإطلاق أسره، فتوليت أجر ذلك واستحققت ذخره، وأنطقت لسانه بشكرك، وطوقت قومه حمدك، وأوجبت عليه حقك، فقرنت بين خصلتين، وأحرزت حظوتين، ثواب الله في الآخرة، ومحمود الذكر في العاجلة.
ثم وإياك أن يصل أحد من جندك، وجلسائك وخاصتك وبطانتك بمسألة يكشفها لك، أو حاجة يبدهك بطلبها، حتى يرفعها قبل ذلك إلى كاتبك الذي أهدفته لذلك ونصبته له، فيعرضها عليك منهيا لها على جهة الصدق عنها، وتكون على معرفة من قدرها، فإن أردت إسعافه بها، ونجاح ما سأل منها، أذنت له في طلبها، باسطا له كنفك، مقبلا عليه بوجهك، مع ظهور سرورك بما سألك، فسحة رأي، وبسطة ذرع، وطيب النفس؛ وإن كرهت قضاء حاجته، وأحببت رده عن طلبته، وثقل عليك إجابته إليها، وإسعافه بها، أمرت كاتبك فصفحه عنها، ومنعه من مواجهتك بها، فخفت عليك في ذلك المؤونة، وحسن لك الذكر، ولم ينشر عنك تجهم الرد، وينلك سوء القالة في المنع، وحمل على كاتبك في ذلك لأئمة أنت منها بريء الساحة.
وكذلك فليكن رأيك وأمرك فيمن طرأ عليك من الوفود، وأتاك من الرسل، فلا يصلن إليك أحد منهم إلا منهم إلا بعد وصول علمه اليك، وعلم ما قدم له عليك،
Page 58