{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} هذا صريح بأن الركون إلى الظلمة محرم وكبيرة؛ لأنه تعالى توعد عليه بالنار، ولكن ما هو الركون الذي أراده الله تعالى؟
قلنا: في ذلك وجوه:
الأول: مروي عن ابن عباس والأصم أن المعنى لا تميلوا إلى الظلمة في شيء من دينكم.
وقيل: ترضون بأعمالهم : عن أبي العالية.
وقيل: تلحقون بالمشركين ، عن أبي قتادة.
وقيل: لا تداهنوا الظلمة، عن السدي، وابن زيد.
وقيل: الدخول معهم في ظلمهم، وإظهار الرضا بفعلهم، وإظهار موالاتهم,
فأما إذا دخل عليهم لدفع شر: فيجوز :عن القاضي، ورجح هذا الحاكم، والمنصور بالله، وقال: وقد أمر الله بالرفق في مخالطة الكفار فالظلمة أولى.
قال جار الله-رحمه الله-: النهي يتناول الانحطاط في هوائهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم، وزيارتهم, ومداهنتهم ,والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهراتهم , وذكرهم بما فيه تعظيمهم ؛ لأن الركون الميل اليسير.
وقوله تعالى:{إلى الذين ظلموا} أي الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل إلى الظالمين.
قال: وعن الموفق وهو من ولاة العباسية : أنه صلى خلف الإمام فقرأ هذه الآية فغشي عليه، فلما أفاق قيل له، فقال: هذا فيمن ركن فكيف من ظلم.
وعن سفيان قال :في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك.
وعن الأوزاعي: ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور ظالما.
وقال : ((من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه)).
وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شراب ماء؟
قال: لا، فقيل له: يموت؟ فقال: دعوه يموت.
Page 64